فصل: المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية:

قد تقدم في الكلام على مملكة الديار المصرية ومضافاتها ذكر جزيرة العرب، وأنه يحدها من جهة الغرب بحر القلزم، ومن جهة الجنوب بحر الهند، ومن جهة الشرق بحر فارس، ومن جهة الشمال الفرات. وأنها تحتوي الحجاز ونجداً وتهامة واليمن واليمامة والبحرين، وقطعةً من بادية الشام، وقطعةً من بادية العراق.
وتقدم هناك الكلام على ما هو مضاف إلى مملكة الديار المصرية. منها مكة، والمدينة، على الحال بها أفضل الصلاة والسلام، والتحية والأكرام، والينبع، وما هو من بادية الشام كتدمر ونحوها.
والمقصود هنا الكلام على باقي أقطارها، التي لم تدخل في مضافات الديار المصرية. ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار:
القطر الأول: اليمن:
قال في اللباب: بفتح المثناة التحتية والميم في آخرها نون. قال: وينسب إليه يمني ويماني. وهو قطعة من جزيرة العرب التي يحدها من الغرب بحر القلزم، ومن الجنوب بحر الهند، ومن الشمال بحر فارس، ومن الشرق حدود مكة حيث الموضع المعروف بطلحة الملك، وما على سمت ذلك إلى بحر فارس.
وقد وردت السنة بتفضيله بقوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان يمانٍ».
واختلف في سبب تسميته باليمن فقيل: سمي بيمن بن قحطان. وقيل: إن قحطان نفسه كان يسمى بيمن. وقيل: سمي بيمن بن قيدار. وقيل: سمي بذلك لأنه عن يمين الكعبة. قال ابن الكلبي: سميت بذلك لتيامنهم إليها. قال ابن عباس: استتب الناس وهم العرب فتيامنوا إلى اليمن فسميت بذلك.
وقيل: تيامنت بنو يقطن إليها فسميت بذلك. وقيل: لما كثر الناس بمكة وتفرقوا عنها التأمت بنو يمن إلى اليمن وهو أيمن الأرض.
وهو إقليم متسع له ذكر في القديم، وبه كان قوم سبإٍ المنصوص خبرهم في سورة سبإ وبلقيس المذكور عرشها في سورة النمل.
وقد ذكر البكري أن عرضه ست عشرة مرحلة، وطوله عشرون مرحلة.
قال في مسالك الأبصار: وله ذكر قديم. قال: وهو كثير الأمطار، ولكن لا تنشأ منه السحب؛ ويمطر في الغالب من وقت الزوال إلى أخريات النهار.
قال الحكيم صلاح الدين محمد بن البرهان: وأكثر مطره في أخريات الربيع إلى وسط الصيف. وهو إلى الحر أميل، وبه الأنهار الجارية، والمروج الفيح، والأشجار المتكاثفة في أماكنه، وله ارتفاع صالحٌ من الأموال، وغالب أمواله موجبات التجار الواصلين من الهند ومصر والحبشة؛ مع مالها من دخل البلاد.
وذكر عن الحكيم صلاح الدين المذكور، أن لأهل اليمن سياداتٍ بينهم محفوظة، وسعاداتٍ عندهم ملحوظة، ولأكابرها حظ من رفاهية العيش والتنعم والتفنن في المأكل، يطبخ في بيت الرجل منهم عدة ألوان، ويعمل فيها السكر والقلوب، وتطيب أوانيها بالعطر والبخور، ويكون لأحدهم الحاشية والغاشية، وفي بيته العدد الصالح من الأماء، وعلى بابه جملة من الخدم والعبيد والخصيان من الهند والحبوش، ولهم الديارات الجليلة، والمباني الأنيقة، الأ الرخام ودهان الذهب واللازورد، فإنه في خواص السلطان، لا يشاركه فيه غيره من الرعايا.
وإنما تفرش دور أعيانهم بالخافقي ونحوه، على أن ابن البرهان قد غض من اليمن في أثناء كلامه فقال: واسم اليمن أكبر منه، لا تعد في بلاد الخصب بلاده.
وذكر في مسالك الأبصار أنه ليس باليمن أسواق مرضية دائمة، إنما يقام لها سوقٌ يوم الجمعة؛ تجلب فيه الأجلاب ويخرج أرباب الصنائع والبضائع بضائعهم وصنائعهم، فيبيع من يبيع، ويشتري من يشتري، من أعوزه شيء في وسط الجمعة لا يكاد يجده إلا المأكل.
ثم إلى اليمن على قسمين:
القسم الأول: التهائم:
وهي المنخفض من بلاده. قال في مسالك الأبصار: وهي باردة الهواء طيبة المسكن. وفيه خمس جملٍ:
الجملة الأولى في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن:
قال في مسالك الأبصار: وهو يشتمل على عدة بلاد، وقلاع، وحصون حصينة، ولكن يفصل البر ما بين بعضها عن بعض، وبه قاعدتان:
القاعدة الأولى: تعز:
وهي مصيف صاحب اليمن. قال في تقويم البلدان بكسر المثناة من فوق والعين المهملة وزاي معجمة في الآخر. وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال: والقياس حيث الطول خمس وستون درجةً وثلاثون دقيقةً، والعرض ثلاث عشرة درجة وأربعون دقيقة. قال: وهي في زماننا هذا مقر ملوك اليمن يعني من أولاد رسول الأتي ذكرهم في الكلام على ملوكه.
ثم قال: وهي حصنٌ في الجبال، مطل على التهائم وأراضي زبيد، وفوقها منتزه يقال لها مهلة، قد ساق له صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها، وبنى فيها أبنيةً عظيمة في غاية الحسن في وسط بستانٍ هناك.
قال في الروض المعطار: ولم تزل حصناً للملوك. قال: وهو بلد كثير الماء، بارد الهواء كثير الفاكهة. قال؛ ولسلطانهم بستانٌ يعرف بالينعات، وفيه قبة ملوكية، ومقعد سلطاني، فرشهما وأزرهما من الرخام الملون؛ وبهما عمد قليلة المثل، يجري فيهما الماء من نفثات تملأ العين حسناً، والأذن طرباً، بصفاء نميرها، وطيب خريرها، وترمي شبابيكهما على أشجارٍ قد نقلت إليه من كل مكانٍ، تجمع بين فواكه الشام والهند، لا يقف ناظرٌ على بستانٍ أحسن منه جمعاً، ولا أجمع منه حسناً، ولا أتم صورةً ولا معنى.
القاعدة الثانية: زبيد:
وهي مشتى صاحب اليمن من بني رسول. قال في تقويم البلدان: بفتح الزاي المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ودال مهملة. وهي مدينة من تهائم اليمن. قال في العبر: بناها محمد بن إبراهيم، بن عبيد الله، بن زياد، عن أبيه في خلافة المأمون. وموقعها في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول أربعٌ وستون درجةً وعشرون دقيقة، والعرض أربع عشرة درجة وعشر دقائق. قال في العبر: وهي مدينة مسورة، وبها كان مقام بنيٍ زياد ملوك اليمن، وهم الذين بنوها، ثم غلب عليها بنو الصليحي، ثم صارت قاعدة بني رسول. وهي قصبة التهائم؛ وهي مبنية في مستوٍ من الأرض، على البحر على أقل من يوم، وماؤها من الأبار، وبها نخيل كثيرة، وعليها سور، وفيها ثمانية أبواب.
قال البيروني: وهي فرضة اليمن، وبها مجتمع التجار من الحجاز ومصر والحبشة؛ ومنها تخرج بضائع الهند والصين. قال المهلبي: ولها ساحل يعرف بغلافقة، وبينهما خمسة عشر ميلاً.
قال في مسالك الأبصار: وهي شديدة الحر لا يبرد ماؤها ولا هواؤها، وهي أوسع رقعة وأكثر بناءً، ولها نهر جارٍ بظاهرها، ومساكن السلطان فيها في نهاية العظمة من فرش الرخام والسقوف.
وباليمن عدة سوى القواعد المتقدمة الذكر.
منها عدن. قال في تقويم البلدان: بفتح العين والدال المهملتين ونون في الآخر. وهي من تهائم اليمن. قال: وهي خارجة إلى الجنوب عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول سبع وستون درجةً، والعرض تسع عشرة درجةً. قال في الروض المعطار: وأول من نزلها عدن بن سبإ فعرفت به. قال في تقويم البلدان: ويقال لها عدن أبين- بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة التحتية ثم نون- وقال في المشترك: عن سيبويه بكسر الهمزة، وهو رجل من حمير أضيفت إليه عدن. قال في العبر: وهو أبين بن زهير، بن الغوث، بن أيمن، بن الهميسع، بن حمير.
وذكر الأزهري أن سبب تسميتها بذلك أن الحبشة عبرت في سفنهم إليها، وخرجوا منها فقالوا عدونه يريدون خرجنا فسميت عدن لذلك. وقيل مأخوذة من قولهم عدن بالمكان إذ أقام به. وهي على ساحل البحر ذات حط وإقلاع. قال في مسالك الأبصار: وهي من أعظم المراسي باليمن، وتكاد تكون ثالثة تعز وزبيد في الذكر؛ وبها قلعة حصينة مبنية، وهي خزانة مال ملوك اليمن، إلا أنه ليس بها زرع ولا ضرع؛ وهي فرضة اليمن، ومحط رحال التجار، لم تزل بلد تجارةٍ من زمن التبابعة وإلى زماننا، عليها ترد المراكب الواصلة من الحجاز والسند والهند والصين والحبشة؛ ويمتاز أهل كل إقليمٍ منها ما يحتاج إليه إقليمهم من البضائع. قال صلاح الدين بن الحكيم: ولا يخلو أسبوعٌ من عدةٍ سفنٍ وتجارٍ واردين عليها، وبضائع شتى ومتاجر منوعه، والمقيم بها في مكاسب وافرةٍ، وتجائر مربحة؛ ولحط المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة، فإذا أراد ناخوذةٌ السفر بمركب إلى جهة من الجهات، أقام فيها علماً برنك خاص به، فيعلم التجار بسفره، ويتسامع الناس فيبقى كذلك أياماً، ويقع الأهتمام بالرحيل، وتسارع التجار في نقل أمتعتهم، وحولهم العبيد بالقماش السري والأسلحة النافعة، وتنصب على شاطيء البحر الأسواق، ويخرج أهل عدن للتفرج هناك.
قال في العبر: ويحيط بها من جهة شماليها على بعدٍ جبلٌ دائرٌ إلى البحر ينثقب فيه من طرفيه ثقبان كالبابين، بينهما على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام، وليس لأهلها دخول ولا خروج إلا على الثقبين أو من البحر. وكان ملكها لبني معن ابن زائدة، ثم لبني زياد: أصحاب زبيد؛ ثم انتزعها منهم محمد بن أحمد بن المكرم الصليحي، وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم؛ وبقيت بأيديهم حتى ملكها منهم توران شاه بن أيوب: أول ملوك اليمن من الأيوبية؛ ومن الأيوبية انتقلت لبني رسول ملوك اليمن الآن.
وذكر في مسالك الأبصار عن الحكيم صلاح الدين بن البرهان أنه قام بها مدة، وقال إن القيم بها يحتاج إلى كلفة في النفقات: لارتفاع الأسعار بها في المآكل والمشارب؛ ويحتاج المقيم بها إلى ما يتبرد به في اليوم مراتٍ في زمن قوة الحر. قال: ولكنهم لا يبالون بكثرة الكلف، ولا بسوء المقام لكثرة الأموال النأمية.
ومنها ظفار. قال في تقويم البلدان: بفتح الظاء المعجمة والفاء وألف وراء مهملة. قال: وهي من تهائم اليمن، من أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول سبعً وستون درجةً والعرض ثلاث عشرة درجة وثلاثون دقيقة.
قال السهيلي: وهي مدينةٌ عظيمة، بناها مالك بن أبرهة ذي المنار.
وذكر في العبر أنها كانت دار ملك التبابعة؛ وخربها أحمد الناخوذة سنة تسع عشرة وستمائة لأنها لم يكن لها مرسىً، وبنى على الساحل مدينة ظفار بالضم وسماها الأحمدية.
قال في تقويم البلدان: وهي مدينةٌ على ساحل خور قد حرج من البحر الجنوبي وطعن في البر في جهة الشمال نحو مائة ميل، ومدينة ظفار على طرفه، ولا تخرج المراكب من ظفار في هذا الخور إلا بريح البر، ويقلع منها في الخور المذكور إلى الهند.
قال: وهي قاعدة بلاد الشحر، ويوجد في أرضها كثير من نبات الهند كالرانج والتنبل، وشمالي ظفار رمال الأحقاف التي كان بها قوم عاد، وهي المذكورة في القرآن، وبينها وبين صنعاء أربعةٌ وعشرون فرسخاً.
قال: وعن بعضهم أن لها بساتين على السواني.
قال في مسالك الأصار: وهي في زماننا لأولاد الواثق ابن عم صاحب اليمن. قال: وهم وإن أطلق عليهم اسم الملك نوابٌ له، وذكر أن البضائع منها تنقل في زوارق حتى تخرج من خورها، ثم توسق في السفن. قال في العبر: وكانت منزلة الملوك في صدر الدولتين.
ومنها حلي. قال في تقويم البلدان: بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ثم ياء مثناة من تحت. وهي بلدة من اليمن، واقعةٌ في الإقليم الأول. قال في الأطوال: حيث الطول ستٌ وستون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجةً وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي من أطراف اليمن من جهة الحجاز وتعرف بحلي ابن يعقوب.
ومنها المهجم. قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون الهاء وجيم وميم. وهي مدينة من تهائم اليمن، واقعةٌ في الإقليم الأول. قال في الأطوال: حيث الطول أربعٌ وستون درجة، والعرض ست عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وهي من أجل مدن اليمن، وهي عن زبيد ثلاثة أيام وهي في الشرق والشمال على زبيد، وعن صنعاء على ست مراحل. قال الأدريسي: ومن عدن على ست مراحل.
ومنها حصن الدملوة. قال في تقويم البلدان: بكسر الدال المهملة وسكون الميم ثم لام وواو وهاء في الآخر. وهو حصنٌ من حصون اليمن، واقعٌ في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال أبو العقول: حيث الطول أربعٌ وستون درجة وأربعون دقيقة. والعرض أربع عشرة درجة، قال في تقويم البلدان: وهو حصن في شمال عدن في جبال اليمن. قال ابن سعيد: وهو على الجبل الممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو خزانة صاحب اليمن؛ ويضرب بامتناعه وحصانته المثل.
ومنها الشرجة. قال في تقويم البلدان: بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وجيم وهاء. وهي ميناء على ساحل البحر، واقعةٌ في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض سبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي صغيرة وبيوتها أخصاص.
ومنها جبلة. قال في تقويم البلدان: بضم الجيم وسكون الباء الموحدة ولام مفتوحة وهاء. وهي مدينة بين عدن وصنعاء، واقعة في الإقليم الأول.
قال: وقياس قول أبي العقول أنها حيث الطول خمسٌ وستون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة عشر دقائق. قال: وهي على نهرين ولذلك يقال لها مدينة النهرين. قال بعض الثقات: وبينها وبين تعز دون يوم، وهي عن تعز في الشرق بميلة يسيرةٍ إلى الشمال.
ومنها الجند. قال في اللباب: بالجيم النون المفتوحتين ودال مهملة في الآخر. وهي مدينة شمالي تعز، على نحو نصف مرحلة منها؛ واقعةٌ في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول خمسٌ وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. وهي عن صنعاء على ثمانيةٍ وأربعين فرسخاً، وعن ظفار على أربعةٍ وعشرين فرسخاً.
وقال الشريف الأدريسي: وهي بين ذمار وبين زبيد، وهو بلدٌ جليل به مسجدٌ جامعٌ لمعاذ بن جبل الصحابي رضي الله عنه، وعلى القرب من الجند وادي سحولٍ، ومنه يسير في صحارى إلى جبل عرضه أحد وعشرون فرسخاً، ثم يسير في صحراء ورمال إلى مدينة زبيد. والجند بلدٌ وخم في غاية الوخامة.
ومنها سرين. قال في اللباب: بكسر السين المهملة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر. وهي بلدةٌ على تسعة عشر فرسخاً من حلي، في جهة الشمال منها، واقعةٌ في آخر الإقليم الأول. قال في الأطوال: حيث الطول ستٌ وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض عشرون درجة. وقال المهلبي: هي مدينة على ساحل البحر على أربعة أيام من مكة.
قال الأدريسي: وهي على القرب من قرية يلملم: ميقات أهل اليمن للإحرام.
ومنها مرباط. اقل في تقويم البلدان: بكسر الميم وسكون الراء المهملة ثم باء موحدة وألف وبعدها طاءٌ مهملة. وهي بليدة على ساحل خو ظفار المقدم ذكره. قال: وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب أو منه.
قال في الأطوال: حيث الطول اثنتان وسبعون درجة، والعرض اثنتا عشرة درجة. قال ابن سعيد: وهي في الشرق والجنوب عن ظفار.
قال الأدريسي: وقبر هودٍ عليه السلام منها على خمسة أيام. قال في نزهة المشتاق: وبجبال مرباط ينبت شجر اللبان، ومنها يجهز إلى البلاد.
ومنها بلاد مهرة. قال في تقويم البلدان: بفتح الميم ثم هاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر، والمراد بمهرة بنو مهرة بن حيدان: قبيلة من قبائل اليمن؛ وقد بسطت القول على ذلك في كتابي المسمى بنهاية الأرب في معرفة قبائل العرب.
وموقعها في الإقليم الأول. قال في الأطوال: وآخرها حيث الطول خمسٌ وسبعون درجة، والعرض ست عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وليس بها نخيل ولا زرع وإنما أموال أهلها الأبل. قال: وألسنتهم مستعجمة لا يكاد يوقف عليها، وينسب إليها البخت المفضلة، ويحمل منها اللبان إلى الأفاق.
ومنها الشحر بكسر الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة وراء مهملة في الآخر. وقال ياقوت الحموي: وهي بليدة صغيرة، ولم يزد على ذلك. والذي يظهر أن لها إقليماً ينسب إليها. وإليها ينسب العنبر الشحري على ما تقدم القول عليه في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى.
الجملة الثانية في ذكر حيوانه وحبوبه وفواكهه ورياحينه ومعاملاته وأسعاره:
وأنا أذكر جملةً من ذلك على ما ذكره في مسالك الأبصار، عن أبي جعفر أحمد بن محمد المقدسي المعروف بابن غانم كاتب الإنشاء بها، وأبي محمد عبد الباقي بن عبد المجيد اليمني الكاتب.
أما حيوانه- فبه من الحيوان الخيل العربية الفائقة، والبغال الجيدة للركوب والحمل، والحمر، والأبل، والبقر، والغنم، ومن الطير الدجاج، والأوز، والحمام، وفيها من الوحوش الزرافة والأسد، والغزلان والقردة، وغير ذلك.
وأما حبوبه- فبه من الحبوب الحنطة والشعير والذرة والأرز والسمسم، وغالب قوتهم الذرة وأقله الحنطة والشعير.
وأنا فواكهه فبه العنب والرمان، والسفرجل، والتفاح، والخوخ، والتوت، والموز، والليمون، والأترج، في أنواع أخرى من الفاكهة قليلة المقدار؛ وبه البطيخ الأخضر والأصفر.
قال ابن البرهان: وغالب ما يوجد بمصر من الفواكه يوجد باليمن، إلا أنه بالغ في وصف السفرجل به.
وأما أسعاره فرخية في الغالب. وذكر ابن البرهان أن الحنطة فيه تغلو واللحوم فيه رخيصة.
الجملة الثالثة في الطريق الموصلة إلى اليمن:
وله طريقان: طريقٌ في البر، وطريق قي البحر.
أما طريقه في البر، فالطريق من مصر إلى مكة معروفةٌ. قال في تقويم البلدان: ومن مكة إلى عدن نحو شهر. قال: ولها طريقان: أحدهما على ساحل البحر وهو الأبعد. والثاني على نجران، وجرش، وصعدة، وصنعاء، وهو الأقرب.
وأما في البحر، فمن مصر إلى السويس ثلاثة أيام في البر، ثم يركب في البحر إلى زبيد وعدن. وربما عدل المسافرون عن السويس إلى الطور فتطول الطريق في البر، وتقصر في البحر، وربما وقع السفر إلى قوص في النيل أو في البر؛ ثم من قوص إلى عيذاب أو إلى القصير، فيركب في البحر إلى زبيد أو عدن.
الجملة الرابعة في ذكر ملوكه جاهيلةً وإسلاماً:
أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات:
الطبقة الأولى العادية:
وهم بنوعاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوحٍ عليه السلام وكانت منازلهم بالأحقاف من اليمن، وعمان من البحرين إلى حضرموت والشحر.
وأول من ملكها منهم عاد المقدم ذكره. ويقال: إنه أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده، حتى يقال إنه ولد أربعة الأف ولدٍ ذكرٍ لصلبه، وتزوج ألف امراةٍ، وعاش ألف سنة ومائتي سنة. وقال البيهقي: عاش ثلثمائة سنة.
ثم ملك بعده ابنه شديد بن عاد.
ثم ملك بعده ابنه الثاني شداد بن عاد وسار في الممالك، واستولى على كثير من بلاد الشام والعراق والهند ويقال إنه ملك مصر أيضاً.
ثم ملك بعده ابنه إرم بن عاد.
والذي ذكره المسعودي أنه ملك بعد عاد بن عوص ابنه عاد بن عاد وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم، وأنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها، وإليه ينسب باب جيرون بها كما تقدم في الكلام عليها في مضافات الديار المصرية.
وذكر ابن سعيد: أن شداد بن بداد، بن هداد، بن شداد، بن عاد غلب قفط ابن قبط على أسافل الديار المصرية، ثم هلك هنالك، ويقال أن ملكهم على عهد هود عليه السلام كان اسمه الخلجان بن عاد، بن رقيم، بن عاد الأكبر، ولقمان بن عاد بن عاديا بن صداقا بن لقمان، وكفر الخلجان، وأهلك الله من كفر منهم بالريح العقيم.
وانتقل ملك لقمان إلى ولده لقيم واتصل ملك لقمان ورهطه ألف سنة أو أكثر إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان الأتي ذكره.
الطبقة الثانية: القحطانية:
وأول من ملك منهم قحطان بن عابر، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح عليه السلام. قال المؤيد صاحب حماة: وهو أول من ملك اليمن ولبس التاج.
ثم ملك بعده ابنه يعرب بن قحطان، وغلب عاداً على اليمن، وعظم ملكه. وهو أول من حياه قومه بتحية الملك؛ وولى أخاه حضرموت بن قحطان على بلاد حضرموت فعرفت به؛ وولى أخاه عمان بن قحطان على بلاد عمان من البحرين فعرفت به.
ثم ملك بعده ابنه يشجب بن يعرب.
ثم ملك بعده ابنه عبد شمس وأكثر الغزو والسبي، فسمي سبأ؛ وبنى قصر سبإٍ ومدينة مأرب باليمن. ويقال: إنه غزا مصر، وبنى بها مدينة عين شمس، التي أثرها بالقرب من المطرية الآن.
ثم ملك بعده ابنه حمير خمسين سنة، وهو أول من تتوج بالذهب.
ثم ملك بعده ابنه وائل. وقيل: بل ملك بعده أخوه كهلان.
ثم ملك بعد وائل ابنه السكسك.
ثم ملك بعده ابنه يعفر بن السكسك.
ثم غلب على الملك عامر بن باران، بن عوف، بن حمير؛ ويعرف بذي رياش.
ثم ملك بعده ابنه المعافر واسمه النعمان بن يعفر المقدم ذكره.
ثم ملك بعده ابنه أسمح بن النعمان؛ فاضطرب أمر حمير، وصار ملكهم في طوائف إلى أن ظهرت ملوك التبابعة.
ويقال: إنه ملك منهم أبين بن زهير، بن الغوث، بن أيمن، بن الهميسع، وإليه تنسب عدن أبين على ما تقدم ذكره.
وملك منهم أيضاً عبد شمس بن وائل، بن الغوث، بن حيدان، بن قطن، بن عريب، بن زهير، بن أيمن، بن الهميسع، بن حمير.
وملك منهم أيضاً حسان بن عمرو، بن قيس، بمن معاوية، بن جشم؛ بن عبد شمس.
ثم ملك بعده أخوه لقمان. ثم أخوه ذو شدد: وهو ذو مراثد. ثم ابنه الصعب ويقال: إنه ذو القرنين. ويقال: إن بني كهلان بن سبإٍ دأولوا بني حمير في الملك.
وملك منهم جبار بن غالب، بن زيد، بن كهلان؛ وانه ملك من شعوب قحطان أيضاً نجران بن زيد، بن يعرب، بن قحطان؛ وبه عرفت نجران المقدم ذكرها.
الطبقة الثالثة: التبابعة:
إما بمعنى أن الناس يتبعونهم كما قاله السهيلي والزمخشري، وإما بمعنى يتبع بعضهم بعضاً كما قاله ابن سيده. قال في العبر: وكانت منازلهم ظفار.
وأول من ملك منهم الحارث بن ذي شدد، بن الملطاط، بن عمرو، بن ذي يقدم؛ بن الصوار، بن عبد شمس، بن وائل، بن الغوث، بن حيدان، بن قطن، بن عريب بن زهير، بن الغوث بن أيمن بن الهميسع، بن حمير، بن سبإٍ. وسمي الرائش لأنه لما لمك الناس راشهم بالعطاء. قال السهيلي وكان مؤمناً.
ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة قاله المسعودي. وقال ابن هشام هو أبرهة بن الصعب، بن زي مراثد، بن الملطاط المقدم ذكره، وسمي ذا المنار لأنه رفع مناراً يهتدى به.
ثم ملك بعده ابنه إفريقيش بن أبرهة مائة وستين سنة.
وقال هشام ابن الكلبي هو إفريقش، بن قيس، بن صيفي أخي الحارث الرائش وسار إلى بلاد المغرب وفتح أفريقية فعرفت به.
ثم ملك بعده أخوه عمرو العبد بن أبرهة المعروف بذي الأذعار خمساً وعشرين سنة. قال المسعودي: وسمي ذا الأذعار لكثرة ذعر الناس منه، قال وكان على عهد سليمان عليه السلام أو قبله بقليل.
وقال الطبري: عمرو بن أبرهة ذي المنار، بن الحارث الرائش، بن قيس، ابن صيفي، بن سبإٍ الأصغر.
ثم ملك بعده الهدهاد بن شرحبيل، بن عمرو ذي الأذعار ست سنين أو عشر سنين، وهو ذو الصرح.
ثم ملك بعده ابنته بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل سبع سنين وهي صاحبة القصة مع سليمان عليه السلام.
وقال الطبري: بلقيس هي يلقمة بنت ليشرح بن الحارث بن قيس.
ثم ملك بعدها سليمان عليه السلام. ثم أقاموا في ملكه وملك بنيه أربعاً وعشرين سنة.
ثم ملك ناشر بن عمرو ذي الأذعار. ويقال له ناشر ينعم، وربما قيل ناشر أنعم، سمي بذلك لإنعامه عليهم. وقال السهيلي: ناشر بن عمرو. ثم قال: ويقال له ناشر النعم. وقال المسعودي ناشر بن عمرو ذي الأذعار. وقيل ناشر بن عمرو، بن يعفر، بن شرحبيل، بن عمرو ذي الأذعار؛ وسار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب، فلم يجد وراءه مذهباً، فنصب صنماً من نحاس، وزبر عليه بالمسند، هذا الصنم لناشر أنعم، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب.
ثم ملك بعده ابنه شمر مائة وستين سنة. ويقال له شمر مرعش، سمي بذلك لارتعاشٍ كان به. وقال السهيلي: شمر بن ومالك، ومالك هو الأملوك.
ويقال إنه وطيء أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها، وخرب مدينة الضغد وراء نهر جيحون، فقالت العجم: شمر كند أي شمر خرب، وبنى هناك مدينة فسميت بذلك، ثم عربت سمرقند. ويقال: إنه الذي بنى الحيرة بالعراق.
وملك بلاد الروم واستعمل عليها ماهان قيصر.
ثم ملك بعده تبع الأقرن ثلاثاً وخمسين سنة، وقيل ثلاثاً وستين سنة واسمه زيد، قال المسعودي: وهو ابن شمر مرعش، وقال الطبري: ابن عمرو ذي الأذعار. قال السهيلي: وسمي الأقرن لشامةٍ كانت في قرنه.
ثم ملك بعده ابنه كليكرب.
ثم ملك بعده تبان أسعد أبو كرب، بن قيس، بن زيد الأقرن، بن عمرو ذي الأذعار، وهو تبع الآخر. ويقال له الرائد، وكان على عهد يستاسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده أردشير، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام، وغزا بلاد الترك والتبت والصين، ويقال: إنه ترك ببلاد التبت قوماً من حمير، هم بها إلى الآن، وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة، وقد مر الكلام عليها مع العراق في الكلام على مملكة إيران، ويقال إنه أول من كسا الكعبة الملاء وجعل لبابها مفتاحاً وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها ودام ملكه ثلثمائة وعشرين سنة.
ثم ملك من بعده ربيعة بن نصر، بن الحارث، بن نمارة، بن لخم، ويقال ربيعة، بن نصر، بن أبي حارثة، بن عمرو، بن عامر. وبعضهم يعكس فيقول نصر بن ربيعة، ثم رأى رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة، ومن عقبه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر.
ثم ملك بعده حسان ذو معاهر بن تبان أسعد أبي كرب.
ثم ملك بعده أخوه عمرو بن تبان أسعد أبي كرب ويسمى الموثبان ثلاثاً وستين سنة، ومات عن أولادٍ صغار وأكبرهم قد استهوته الجن، فوثب على ملك التبابعة عبد كلال بن مثوب، فملك أربعاً وتسعين سنة وهو تبع الأصغر، وله مغازٍ وآثار بعيدة.
ثم ملك بعده أخوه لأمه مرثد بن عبد كلال سبعاً وثلاثين سنة.
ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مرثد.
ثم ملك بعده أبرهة بن الصباح بن لهيعة، بن شيبة، بن مرثد، بن نيف ابن معدي كرب، بن عبد الله، بن عمرو، بن ذي أصبح الحارث، بن مالك؛ وقيل إنما ملك تهامة فقط.
ثم ملك بعده حسان بن عمرو بن تبع، بن كليكرب سبعاً وخمسين سنة.
ثم ملك بعده لخيعة بن ينوف ذو شناتر سبعاً وعشرين سنة.
ثم ملك بعده ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبي كرب ثمانين سنة، ويسمى يوسف، وكان يدين باليهودية وحمل الناس عليه.
ثم ملك بعده ذو جدن واسمه علس بن زيد، بن الحارث، بن زيد الجمهور. وقيل: علس بن الحارث، بن زيد، بن الغرث، بن سعد، بن عوف، ابن عدي، بن مالك، بن زيد الجمهور، وهو آخر ملوك اليمن من العرب. وقيل غير ذلك من تقديم وتأخير وتبديل اسم باسم.
وبالجملة فأخبار التبابعة غير مضبوطة، وأمورهم غير محققة. قال المسعودي: ولا يسمى أحدٌ منهم تبعاً حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت؛ على أن الطبري قد ذكر أن الملك من ملوك اليمن لا يتجاوز مخلافه، وإن تجاوزه فبمسافة يسيرة.
الطبقة الرابعة: الحبشة:
وأول من ملك منهم أرياط بعثه صاحب الحبشة مقدمأً على جيوشه حين تهود ذو نواس وأحرق الأنجيل؛ ففتح اليمن واستقر في ملكه.
ثم ملك بعده أبرهة الأشرم وهو صاحب الفيل الذي جاء به لتخريب الكعبة.
ثم ملك بعده ابنه يكسوم.
ثم ملك بعده أخوه مسروقٌ وهو آخر ملوك اليمن من الحبشة.
الطبقة الخامسة: الفرس:
وأول من ملك منهم وهرز وذلك أن سيف بن ذي يزن، بن عابر، بن أسلم، بن زيد، بن غوث، بن سعد، بن عوف، بن عدي، بن مالك، بن زيد الجمهور الحميري، استجاش كسرى أنو شروان: ملك الفرس على مسروق بن أبرهة آخر ملوك الحبشة باليمن فأسعفه بجيش، ففتح به اليمن واستنابه فيه، فقتله بعض من استخلصه من الحبشة، فولى كسرى وهرز مكانه وهلك، فأقام كسرى مكانه ابنه المرزبان ثم هلك، فأقام مكانه خذخسرو بن السيحان بن المرزبان، ثم عزله وولى على اليمن باذان فلم يزل به إلى أن كانت البعثة فأسلم وفشا الإسلام باليمن، وتتابعت الوفود منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الطبقة السادسة: عمال النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده:
لما أسلم باذان نائب كسرى، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليف اليمن، وكان منزله بصنعاء: دار مملكة التبابعة، وبقي حتى مات بعد حجة الوداع فولى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان على صنعاء، وولى على كل جهةٍ واحداً من الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن خرج الأسود العنسي فقتل شهر بن باذان، وأخرج سائر عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن. فلما قتل العنسي رجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم، واستولى قيس بن عبد يغوث المرادي على صنعاء، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.
ثم ولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيروز الديلمي.
ثم ولى بعده المهاجر بن أبي أمية، وعكرمة بن أبي جهل، على قتال أهل الردة، ثم استقر في ولاية يعلى بن منبه.
ثم ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله.
ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي، ومات سنة ثلاث وخمسين من الهجرة.
ثم جعل عبد الملك بن مروان اليمن في ولاية الحجاج بن يوسف، حين بعثه لقتال ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين.
ثم كان به يوسف بن عمرو وسمة ثمانٍ ومائة.
ثم لما جاءت دولة بني العباس، ولى السفاح: أول خلفائهم على اليمن عمه داود وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة. فولى مكانه عمر بن زيد، بن عبد الله، ابن عبد المدان، وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائة، فولى السفاح مكانه علي بن الربيع بن عبيد الله.
ثم في سنة ثلاث وخمسين ومائة كان عليها يزيد بن منصور؛ ثم عزله المهدي في خلافته، وولى مكانه رجاء بن روح.
ثم ولى بعده علي بن سليمان ثم عزله سنة اثنتين وستين ومائة، وولى مكانه عبد الله بن سليمان. ثم عزله سنة ثلاث وستين ومائة، وولى مكانه منصور بن يزيد. ثم عزله في سنة ست وستين ومائة، وولى مكانه عبد الله بن سليمان الربعي. ثم ولى سليمان بن يزيد ثانياً.
ثم ولى الرشيد سنة أربع وثمانين حماداً اليزيدي.
الطبقة السابعة: ملوكها من بني زياد:
لم تزل نواب الخلفاء متوالية على اليمن إلى أيام المأمون، فاضطرب أمر اليمن، فوجه المأمون إليه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله، بن زياد، بن أبيه، ففتح اليمن وملكه، وبنى مدينة زبيد في سنة أربع ومائتين؛ وولى مولاه جعفراً على الجبال، فعرفت بمخلاف جعفر إلى الآن.
ثم ملك اليمن بعده ابنه إبراهيم بن محمد ثم ابنه زياد بن إبراهيم.
ثم ملك بعده أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته، وتوفي سنة إحدى وتسعين وثلثمائة، وخلف طفلاً فتولت أخته هندٌ بنت أبي الجيش كفالته، وتولى معها عبدٌ لأبي الجيش اسمه رشيد فبقي حتى مات، فتولى مكانه حسين بن سلامة، وسلامة اسم أمه وصار وزيراً لهند وأخيها حتى ماتا.
ثم ملكوا عليهم طفلاً اسمه إبراهيم وقيل عبد الله بن زياد، وقام بأمره عمته وعبد من عبيد حسين بن سلامة اسمه مرجان ثم قبض قيسٌ عبد مرجان على الطفل وعمته في سنة سبع وأربعمائة واستبد بالملك، ثم قتل قيس بزبيد.
وملك بعده نجاح عبد مرجان أيضاً وعظمم شأنه، وركب بالمظلة وضربت السكة باسمه، وبقي حتى توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه سعيد الأحول بن نجاح.
ثم غلب على الملك الملك المكرم أحمد بن علي بن الصليحي في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وقيل سنة ثمانين، وأقام بزبيد.
ثم ملكها جياش بن نجاح في بقايا سنة إحدى وثمانين، ومات سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
ثم ملك بعده ابنه فاتك ثم ملك بعده منصور بن فاتك بن جياش بن نجاح.
ثم ملك بعد ابنه فاتك بن منصور بن فاتك.
ثم ملك بعده ابن عمه فاتك بن محمد بن فاتك، بن جياش، بن نجاحٍ في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وقتل في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وهو آخر ملوك بني نجاحٍ.
الطبقة الثامنة: ملوكها من بني مهدي:
لما قتل فاتك، ملك بعده علي بن المهدي واستقر في دار الملك بزبيد في رابع عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ومات بعد شهرين وأحد وعشرين يوماً؛ وكان مذهبه التكفير بالمعاصي وقتل من خالف مذهبه.
ثم ملك بعده ابنه مهدي بن علي بن مهدي.
ثم ملك بعد ابنه عبد النبي بن مهدي.
ثم ملك بعده عمه عبد الله بن مهدي.
ثم عاد عبد النبي ثانياً وهو آخرهم.
الطبقة التاسعة: ملوكها من بني أيوب ملوك مصر:
وأول من ملكها منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب سيره إليها أخوه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية في سنة تسع وسستين وخمسمائة، ففتح زبيد وأسر صاحبها عبد النبي.
ثم ملك عدن وأسر صاحبها ياسر واستولى علي اليمن لأخيه صلاح الدين، ثم استناب توران شاه على زبيد حطان بن كامل بن منقذ الكناني، ورجع إلى الشام في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، فأضاف إليه أخوه السلطان صلاح الدين الإسكندرية، وبقيت نوابه باليمن يحملون إليه الأموال من زبيد إلى أن توفي بالأسكندرية في سنة ست وسبعين وخمسمائة فاضطرب أمر اليمن، فوجه السلطان صلاح الدين إليه أميراً، فعزل عنه حطان بن كامل وتولى مكانه، ثم توفي الأمير فعاد حطان إلى ولايته.
ثم بعث السلطان صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب إلى اليمن فقبض على حطان واستقر في مملكة اليمن، وبقي به حتى مات بزبيد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك العزيز إسٍماعيل فأساء السيرة فقتله أمراؤه.
وملك بعده أخوه الناصر صغيراً، فقام بتدبير مملكته سنقر مملوك أبيه اربع سنين ثم مات، فتزوج أم الناصر غازي بن جبريل: أحد أمراء دولته وقام بتدبيرها، ثم مات الناصر وبقي غازي في المملكة فقتله جماعةٌ من العرب فغلبت أم الناصر على زبيد.
وكان سليمان بن شاهنشاه بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب قد خرج فقيراً، فاتفق أن وافى اليمن فتزوج أم الناصر وملك اليمن فأساء السيرة، فبعث إليه عمه الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر، ابنه الملك المسعود أطسر المعروف باقسيس، في جيش فملك اليمن من سليمان، ثم كره المقام فيه فسار قاصداً الشام فتوفي بمكة؛ وهو آخر ملوكها من بني أيوب.
الطبقة العاشرة: دولة بني رسول:
وهم القائمون بها الآن، وأول من ملكها منهم علي بن رسول. وذلك أنه لما توفي الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل محمد، كان معه أميراخور لابيه اسمه رسول، فلما خرج المسعود يريد الشام، استخلف على اليمن علي بن رسول المذكور؛ فاستقر نائباً باليمن لبني أيوب حتى مات سنة ثلاثين وستمائة، ووقع في التعريف: أن المستقر في اليمن أولاً هو رسولٌ والد علي المذكور، ولم أره في تاريخ.
ثم استقر بعد علي بن رسول المذكور في النيابة ولده الملك المنصور عمر بن علي. ثم تغلب على اليمن وخرج عن طاعة بني أيوب ملوك مصر، واستقل بملك اليمن، وتلقب بالملك المنصور، ثم قتل في سنة ثمان وأربعين وستمائة.
وملك بعده ابنه الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول، وصفا له ملك اليمن وطالت مدته، وأرسل إلى الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية حينئذٍ هديةٍ نفيسةً، سأل أن يكتب له أماناً، فقبلت هديته وكتب به بالأمان، وقررت عليه إتاوةٌ لملوك مصر، وأعيدت رسله في سنة ثمانين وستمائة. ومات بقلعة تعز سنة أربع وتسعين وستمائة.
وملك بعده ابنه الأشرف ممهد الدين عمر بن المظفر يوسف وبقي حتى مات سنة ست وتسعين وستمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك المؤيد هزبر الدين داود واستمر على مواصلة ملوك مصر بالهدايا والتحف والضريبة المقررة عليه، وتمذهب بمذهب الشافعي رضي الله عنه واشتغل بالعلم واعتنى بجمع الكتب. حتى اشتملت خزائنه على مائة ألف مجلد؛ وبر العلماء، وكانت تحفه تصل إلى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله في كل وقت؛ وتوفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه الملك المجاهد سيف الدين علي وكان في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، فأساء السيرة، فقبض عليه وخلع وحبس في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
وملك بعده عمه الملك المنصور أيوب بن المظفر يوسف ثم قتله شيعة المجاهد، وأعادوا الملك المجاهد. وكان الظاهر أسد الدين عبد الله بن المنصور أيوب بحصن الدملوة المقدم ذكره فعصى عليه، وملك عدن وغيرها، وبعث الملك المجاهد للملك الناصر محمد بن قلاوون يستصرخه على الظاهر عبد الله. فجهز إليه العساكر فوصلت إليه سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فأوقعوا الصلح بينهما على أن تكون الدملوة للظاهر المذكور، وتمهد اليمن للمجاهد واستنزل الظاهر عن الدملوة؛ ثم قبض عليه وقتله.
ثم حج المجاهد سنة إحدى وخمسين في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون صاحب مصر.
وكان الأمير طاز أحد أكابر أمراء الديار المصرية قد حج، وأشيع أن المجاهد يريد كسوة الكعبة في تلك السنة، فوقعت الفتنة بين العسكر المصري والمجاهد، فانهزم المجاهد ونهبت عساكره وسائر أهل اليمن، وأسر المجاهد صاحب اليمن وحمل إلى مصر فاعتقل بها، ثم أطلق سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة في دولة الصالح، ووجه معه الأمير قشتمر ليوصله إلى بلاده، فلما بلغ به الينبع، ارتاب منه في الهرب، فرجع به إلى مصر، فحبس في الكرك من بلاد الشام؛ ثم أطلق وأعيد إلى ملكه، وأقام على مداراة صاحب مصر إلى أن توفي سنة ست وستين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه الملك الأفضل عباس بن المجاهد علي، فاستقام له ملك اليمن وبقي حتى مات سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه الملك المنصور محمد ومات.
وملك أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس، فاستقام أمره بها، ثم مات.
وولي بعد ابنه الملك الناصر أحمد بن ابن الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس، بن المجاهد علي، بن المؤيد داود، بن المظفر يوسف، بن المنصور عمر، بن علي، بن رسول، وهو باقٍ باليمن إلى آخر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرهها في المكاتبات إن شاء الله تعالى.
الجملة الخامسة في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول:
ملوكها الآن: في مقدار عساكرها، وزي جندها، وبيان أرباب وظائفها، وحال سلطانها أما مقدار عساكرها، فقد قال في مسالك الأبصار: أخبرني أقضى القضاة، أبو الربيع: سليمان بن محمد، بن الصدر سليمان وكان قد توجه إلى اليمن، وخدم في ديوان الجيوش به أن جميع جند اليمن لا يبلغ ألفي فارس.
قال: ويضاف إليهم من العرب المدافعين في يطاعته مثلهم، وأراني جريدةً للجيش تشهد بما قال. ذكر أن غالب جنده من الغرباء. ونقل عن الحكيم صلاح الدين بن البرهان أن الأمرة عندهم قد تطلق على من ليس بأمير، وأما الأمرة الحقيقية التي ترفع بها الأعلام والكؤوسات. فإنها لمن قل، وربما أنه لا يتعدى عدة الأمراء بها عشرة نفرٍ.
وأما زي السلطان والجند بها، فقد ذكر في مسالك الأبصار: أن لباس السلطان وعامة الجند باليمن أقبيةٌ إسلامية، ضيقة الأكمام، مزندة على الأيدي، وفي أوساطهم مناطق مشدودةٌ، وعلى رؤوسهم تخافيف لانس، وفي أرجلهم الدلاكسات، وهي أخفاف من القماش الحرير الأطلس والعتابي وغير ذلك.
قال المقر الشهابي بن فضل الله: وقد حضر علي بن عمر بن يوسف الشهابي: أحد أمراء الملك المجاهد باليمن إلى الديار المصرية، في وحشة حصلت بينه وبين سلطانه، وهو بهذا الزي خلا الدلاكس فإنه قلعه ولبس الخف المعتاد بالديار المصرية، وكان يحضر الموكب السلطاني بالديار المصرية، وهو على هذا الزي.
وأما شعار السلطنة، فقد ذكر عن الحكيم بن البرهان أيضاً أن شعار سلطان اليمن وردةٌ حمراء في أرض بيضاء، قال المقر الشهابي بن فضل الله: ورأيت أنا السنجق اليمني، وقد رفع في عرفات سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وهو أبيض فيه وردات حمر كثيرة.
وأما أرباب الوظائف، فنقل عن ابن البرهان أن باليمن أرباب وظائف: من النائب، والوزير، والحاجب، وزكاتب السر، وكاتب الجيش وديوان المال. وبها وظائف الشاد والولاية، وأنه يتشبه بالديار المصرية في أكثر أحواله. قال: أما كتاب الإنشاء ثم، فإنه لا يجمعهم رئيسٌ يرأس عليهم يقرأ ما يرد على السلطان ويجاوب عنه ويتلقى المراسيم وينفذها، وإنما السلطان إذا دعت الحاجة إلى كتابة كتب، بعث إلى كلٍ منهم ما يكتبه. فإذا كتب السلطان ما رسم له به، بعثه على يد أحد الخصيان فقدمه إليه، فيعلم فيه وينفذه.
قال المقر الشهابي بن فضل الله: وعادة ما يكتب عنه في ديوان الإنشاء كعادة الديار المصرية في المصطلح. قال: ورأيت علامة الملك المؤيد داود على توقيع مثالها الشاكر لله على نعائمه في سطر، وتحته داود في سطرٍ آخر.
وأما ترتيب أحوال السلطان، فقد ذكر في مسالك الأبصار: أن صاحب اليمن قليل التصدي لإقامة رسوم المواكب والخدمة والأجتماع بولاة الأمور ببابه، فإذا احتاج أحدٌ من أمرائه وجنده إلى مراجعته في أمر، كتب إليه قصة يستأمره فيها، فيكتب عليها بخطه ما يراه؛ وكذلك إذا رفعت إليه قصص المظالم هو الذي يكتب عليها بخطه بما فيه إنصاف المظلوم.
ونقل عن ابن البرهان: أن ملوك اليمن أوقاتهم مقصورةٌ على لذاتهم، والخلوة مع حظاياهم وخاصتهم من الندماء والمطربين، فلا يكاد السلطان يرى، بل ولا يسمع أحدٌ من أهل اليمن خبراً له على حقيقته، وأهل خاصته المقربون الخصيان، وله أرباب وظائف للوقوف بأموره، وهو ينحو في أموره منحى صاحب مصر: يتسمّع أخباره، ويحأول اقتفاء آثاره في أحواله، وأوضاع دولته، غير أنه لا يصل إلى هذه الغاية، ولا تخفق عليه تلك الراية، لقصور مدد بلاده، وقلّة عدد أجناده، وللتجّار عندهم موضع جليل، لأن غالب متحصّلات اليمن منهم وبسببهم، وغالب دخله من التجّار والجلاّبة برّاً وبحراً. ولذلك كانت مملكة بني رسول هذه أكثر مالأ من مملكة الشّرفاء بصنعاء وما والأها لمجاورة مملكة بني رسول البحر. وصاحب اليمن لا ينزل في أسفاره إلا في قصورٍ مبنيّةٍ في منازل معروفة من بلاده، فحيث أراد النزول بمنزلةٍ وجد بها قصراً مبنيّاً ينزل به. قال: وإنما تجتمع لهم الأموال لقلة الكلف في الخرج والمصاريف والتكاليف، ولأن الهند يمدّهم بمراكبه، ويواصلهم ببضائعه.
قال في مسالك الأبصار: ولا تزال ملوك اليمن تستجلب من مصر والشام طوائف من أرباب الصناعات والبضائع ببضائعهم على اختلافها. قال أقضى القضاة أبو الربيع سليمان بن الصدر سليمان: وصاحب هذه المملكة أبداً يرغب في الغرباء، ويحسن تلقيهم غاية الأحسان، ويستخدمهم بما يناسب كلاًّ منهم، ويتفقّدهم في كل وقت بما يأخذ به قلوبهم ويوطّنهم عنده.
وذكر في مسالك الأبصار عن ملوك هذه المملكة: أنهم لم يزالوا مقصودين من آفاق الأرض، قلّ أن يبقى مجيدٌ في صنعةٍ من الصنائع إلا ويصنع لأحدهم شيئاً على اسمه، ويجيد فيه بحسب الطاقة، ثم يجهّزه إليه ويقصده به فيقدّمه إليه، فيقبل عليه ويقبل منه. ويحسن نزله، ويسني جائزته؛ ثم إن أقام في بابه، أقام مكرماً محترماً، أو عاد محبوّاً محبوراً، يجزلون من نعمهم العطايا، ويثقلون بكرمهم المطايا، ما قصدهم قاصدٌ إلا وحصل له من البرّ والأيناس وتنويع الكرامة ما يسليهم عن الأوطان، ولكنهم لا يسمحون بعود غريب، ولا يصفحون في زللٍ عن بعيد ولا قريب، فإن أراد الأرتحال عن دارهم، مكّنوه من العود كما جاءهم، وخرج عنهم على أسوأ حال. مسلوباً ما استفاد عندهم من نعمةٍ، عق أبا له على مفارقته لأبوابهم لا بخلاً بما جادوا به. أما من قدّم إليهم القول بأنه أتاهم راحلاً لا مقيماً، وزائراً لا مستديماً، فإنهم لا يكلّفونه المقام لديهم، ولا دواماً في النزول عليهم، بل يجزلون إفادته، ويجملون إعادته.
ثم بعد أن ذكر ما بين صاحب اليمن هذا وبين إمام الزّيديّة باليمن من المشاجرة والمهادنة تارةً والمفاسخة أخرى، قال: وصاحب اليمن لا عدو له، لأنه محجوب ببحرٍ زاخر وبرٍّ منقطع من كلّ جهة، وللمسالمة بينه وبينهم، فهو لهذا قرير العين، خالي البال، لا يهمّه إلا صيد، ولا يهيجه إلا بلبال. قال: وهم مع ذلك على شدة ضبطٍ لبلادهم ومن فيها، واحترازهم على طرقها برّاً وبحراً من كل جهة، لا يخفى عليهم داخلٌ يدخل إليها، ولا خارجٌ يخرج منها، ومع ذلك فهو يداري صاحب مصر ويهاديه، لمكان إمكان تسلّطه عليه من البرّ والبحر الحجازيّ، ولذلك اكتتب الملك المؤيد داود وصيةً أوصى فيها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية على ابنه الملك المجاهد عليّ. فلما مات المؤيد نجم على ابنه المجاهد ناجم، فبعث بوصية أبيه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجهز معه عسكراً إلى اليمن فمنعه من عدوّه الناجم عليه، ومكّن له في اليمن وبسط يده فيه.
القسم الثاني من اليمن: النّجود:
وهي ما ارتفع من الأرض، وبها مستقرّ أئمة الزيدية الآن.
قال في مسالك الأبصار: وهي شديدة الحرّ، وقد انطوى فيها جزءٌ من اليمن، وإن كان ما بيد أولاد رسول هو الجزء الوافر الأعظم.
وفيه أربع جمل:
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد:
قال في مسالك الأبصار حدّثني الحكيم صلاح الدين بن البرهان أن اليمن منقسمٌ إلى قسمين: سواحل، وجبالٍ، وأن السواحل كلّها لبني رسول، والجبال كلّها أو غالبها للأشراف. قال: وهي أقلّ دخلاً من السواحل: لمدد البحر لتلك واتصال سبيلها عنه، وانقطاع المدد عن هذه البلاد لانقطاع سبيلها من كلّ جهة.
قال: وحدثني أبو جعفر بن غانم: أن بلاد الشّرفاء هؤلاء متصلةٌ ببلاد السّراة، إلى الطائف، إلى مكة المعظّمة.
قال: وهي جبالٌ شامخة، ذات عيون دافقةٍ ومياهٍ جارية، على قرًى متصلة، الواحدة إلى جانب الأخرى، وليس لواحدةٍ تعلّق بالأخرى بل لكل واحدة أهلٌ يرجع أمرهم إلى كبيرهم، لا يضمّهم ملك ملك، ولا يجمعهم حكم سلطان، ولا تخلو قريةٌ منها من أشجارٍ وعروش ذوات فواكه أكثرها العنب واللوز، ولها زروع أكثرها الشعير، ولأهلها ماشية أعوزتها الزرائب، وضاقت بها الحظائر.
قال: وأهلها أهل سلامةٍ وخير وتمسّك بالشريعة ووقوفٍ معها، يعضّون على دينهم بالنّواجذ، ويقرون كلّ من يمرّ بهم، ويضيّفونه مدّة مقامه حتّى يفارقهم. وإذا ذبحوا لضيقهم شاةً، قدّموا له جميع لحمها ورأسها وأكارعها وكبدها وقلبها وكرشها، فيأكل ويحمل معه ما يحمل. ولا يسافر أحدٌ منهم من قريةٍ إلى أخرى إلا بريقٍ يسترفقه منها فيخفره، لوقوع العداوة بينهم.
ثم هي تشتمل على عدّة حصون وبلاد مخصبة.
وقاعدتها مدينة صنعاء. قال في تقويم البلدان: بفتح الصاد المهملة وسكون النون وعين مهملة وألف ممدودة. وهي مدينةٌ من نجود اليمن، واقعةٌ في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبعٌ وستّون درجة، والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال في الروض المعطار: واسمها الأول أوال يعني بضم الهمزة وفتح الواو من الأوّلية بلغتهم. فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى بنائها، قالوا: هذه صنعة، ومعناه بلغتهم حصينة فسمّيت صنعاء من يومئذ. قال: والنسبة إليها صنعانيٌّ على غير قياس. ويقال: إنها أوّل مدينة بنيت باليمن.
ثم اختلف: فقيل بناها سام بن نوح عليه السلام، وذلك أنه طلب مكاناً معتدل الحرارة والبرودة فلم يجد ذلك إلا في مكان صنعاء فبنى هذه المدينة هناك وقيل بنتها عادٌ.
قال في تقويم البلدان: وهي من أعظم مدن اليمن، وبها أسواق ومتاجر كثيرة، ولها شبه بدمشق: لكثرة مياهها وأشجارها، وهواؤها معتدل، وتتقارب فيها ساعات الشتاء والصيف، وفي أطول يومٍ في السنة يكون الشاخص عند الأستواء لا ظلّ له.
وقال في موضعٍ آخر: تشبه بعلبكّ في الشام، لتمامها الحسن وحسنها التّمام، وكثرة الفواكه، تقع بها الأمطار والبرد. وهي كرسيّ ملوك اليمن في القديم، ويقال إنها كانت دار ملك التّبابعة. قال في الروض المعطار: وهي على نهرٍ صغير يأتي إليها من جبلٍ في شماليها، ويمرّ منحدراً إلى مدينة ذمار، ويصبّ في البحر الهنديّ، وعمارتها متصلة، وليس في بلاد اليمن أقدم منها عمارةً، ولا أوسع منها قطراً.
قال في تقويم البلدان: وكانت في القديم كرسيّ مملكة اليمن. قال: وبها تلٌّ عظيم يعرف بغمدان، كان قصراً ينزله ملوكها. قال في الروض المعطار: هو أحد البيوت السبعة التي بنيت على اسم الكواكب السبعة، بناه الضّحّاك على اسم الزّهرة، وكانت الأمم تحجّه فهدمه عثمان رضي الله عنه فصار تلاًّ عظيماً قال في تقويم البلدان: وهي شرقيّ عدن بشمال في الجبال.
ولها عدّة بلادٍ وحصون مضافةٍ إليها؛ جاريةٍ في أعمالها.
منها كحلان- بفتح الكاف وسكون الحاء المهملة ثم لام ألف ونون في الآخر. وهي قلعةٌ من عمل صنعاء على القرب منها. قال ابن سعيد: كان بها في أوّل المائة الرابعة بنو يعفر من بقايا التبابعة. قال: ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصّليحيّ، وغلب عليها الزيديّة، ثم السّليمانيّون بعد بني الصّليحيّ.
ومنها نجران. قال في اللباب: بفتح النون وسكون الجيم وراء مهملة وألف ونون في الآخر. قال الأزهري: وسميت بنجران بن زيد، بن سبأ، بن يشجب، بن يعرب، بن قحطان. وهي بلدة من بلاد قبيلة همدان، واقعةٌ في الإقليم الأول. قال في الأطوال حيث الطول سبعٌ وستون درجة، والعرض تسع عشرة درجة.
قال في تقويم البلدان: وهي بليدة فيها نخيل، بين عدن وحضرموت، في جبال بين قرًى ومدائن وعمائر ومياه، تشتمل على أحياءٍ من اليمن، وبها يتّخذ الأدم، وهي شرقيّ صنعاء بشمال، وبها أشجار، وبينها وبين صنعاء عشر مراحل، ومنها إلى مكة عشرون يوماً في طريقٍ معتدل. وجعلها صاحب الكمام صقعاً مفرداً عن اليمن.
ومنها صعدة. قال في تقويم البلدان: بفتح الصاد وسكون العين المهملتين ودال مهملة وهاء في الآخر. قال في الروض المعطار: والنسبة إليها صاعديٌّ على غير قياس. قال في القانون: وتسمى غيل أيضاً. وهي بلدة على ستين فرسخاً من صنعاء، وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقةً، والعرض ستّ عشرة درجة. قال في العزيزيّ: وهي مدينة عامرة آهلة خصبة، وبها مدابغ الأدم وجلود البقر، التي تتّخذ منها النّعال.
ومنها خيوان. قال في تقويم البلدان: بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الواو، ثم ألف بعدها نون. وهي صقع معروف باليمن، واقعٌ في الإقليم الأول. قال في الأطوال: حيث الطول سبع وستون درجةً وإحدى وعشرون دقيقة، والعرض خمس عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي بلادٌ تشتمل على قرًى ومزارع ومياه، معمورةٌ بأهلها، وبها أصناف من قبائل اليمن. قال المهلبيّ: وهي طرف منازل بني الضّحّاك من بني يعفر من بقايا التبابعة؛ وماؤها من السماء. قال الأدريسيّ: وبينها وبين صعدة ستة عشر فرسخاً. وقال المهلبيّ: بينهما أربعة وعشرون ميلاً.
ومنها جرش. قال في تقويم البلدان: بضم الجيم وفتح الراء المهملة وشين معجمة في الآخر. وهي بلدة باليمن، موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول سبع وستون درجةً وخمسون دقيقة، والعرض سبع عشرة درجة. وهي بلدة بها نخيل، مشتملةٌ على أحياءٍ من اليمن، ويتخذ بها الأدم الكثير. قال في العزيزيي: وهي بلدة صالحة، وحولها من شجر القرظ ما لا يحصى، وبها مدابغ كثيرة. قال الأدريسي: وهي مدينة نجران متقاربتان في المقدار والعمارة، ولهما مزارع وضياع وبينهما ست مراحل.
ومنها مأرب. قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وهمزة ساكنة وراء مهملة مكسورة وفي آخرها باء موحدة. وذكر أنه رآها مكتوبةً في الصحاح كذلك، ثم قال: والمشهو رفتح الهمزة ومدها. وهي مدينة على ثلاث مراحل من صنعاء، واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول ثمانٌ وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وهي في آخر جبال حضرموت، ويقال لها مدينة سبإ، تسميةً لها باسم بانيها، وبها كان السد. قال: وكانت قاعدة التبابعة وهي اليوم خرابٌ.
ومنها حضرموت. قال في اللباب: بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة، وبعدها ميم مفتوحة وواو ساكنة وتاء مثناة من فوقها في الآخر. وهي ناحية من نواحي اليمن، وأعمالها أعمال عريضةٌ، ذات شجرٍ ونخلٍ ومزارع.
قال الأزهري: وسميت حضرموت بحاضر، بن سنان، بن إبراهيم، وكان أول من نزلها.
قال صاحب العبر: وكانت بلاد حضرموت لعادٍ مع البحرين وعمان، ثم غلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان، حين ولي أولاده البلاد أعطى هذه ابنه حضرموت فعرفت به. والنسبة إليها حضرمي، وقصبتها مدينة شبام. قال في اللباب: بكسر الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة وألف وميم، ووهم ابن الأثير في اللباب: فجعل شبام قبيلةً لا بلداً. قال في تقويم البلدان: وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال في الأطوال: وهي حيث الطول إحدى وسبعون درجةً، والعرض اثنتا عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وهي قلعةٌ فوق جبلٍ منيع فيه قرى ومزارع كثيرةٌ. قال في العزيزيي: وفيه سكان كثيرة. قال: وفيه معدن العقيق والجزع وبينها وبين صنعاء أحدٌ وعشرون فرسخاً، وقيل إحدى عشرة مرحلةً، وبينها وبين ذمار مرحلةٌ واحدة.
الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة:
قد تقدم أن الطريق من مصر إلى مكة معروفة. قال ابن خرداذبة: ثم من مكة إلى بئر ابن المرتفع، ثم إلى قرن المنازل: قريةٌ عظيمة، وهي ميقات أهل اليمن للحج منه يحرمون، ثم إلى الفتق: وهي قريةٌ كبيرة، ثم إلى صقر، ثم إلى تربة: وهي قرية كبيرة، ثم إلى كدي، وفيها نخيل وعيون، ثم إلى رنية، وفيها نخيلٌ وعيون أيضاً، ثم إلى تبالة، وهي مدينةٌ كبيرة فيها عيونٌ جارية، ثم إلى جسدا وفيها بئر ولا أهل فيها، ثم إلى كشة، وهي قريةٌ عظيمة فيها عيون حرس، ثم إلى بيشة يقطان، وفيها ماءٌ ظاهر وكرم، والحرس منها على ثلاثة أميال، ثم إلى المهجرة، وهي قريةٌ عظيمة فيها عيونٌ وفيما بين سروم راح والمهجرة طلحة الملك: وهي شجرةٌ عظيمة. وهناك حد ما بين عمل مكة المشرفة وعمل اليمن، ثم منها إلى عرقة، وماؤها قليل ولا أهل فيها، ثم إلى خيوان، وقد تقدم ذكرها؛ ثم إلى أثافت، وهي مدينةٌ فيها زرعٌ وكرمٌ وعيون، ثم إلى مدينة صنعاء، وهي قاعدة هذه المملكة على ما تقدم.
الجملة الثالثة فيمن ملك هذه المملكة إلى زماننا:
قد تقدم في الكلام على صنعاء أنها كانت قاعدة ملك التبابعة، وقد مر القول عليهم في الكلام على ملوك اليمن في مملكة بني رسول في القسم الأول من اليمن.
أما حضرموت، فقد قال علي بن عبد العزيزي الجرجاني: إنه كان لهم في الجاهلية ملوك يقاربون ملوك التبابعة في علو الصيت ونباهة الذكر. ثم قال: وقد ذكر جماعة من العلماء أول من انبسطت يده منهم، وارتفع ذكره عمرو بن الأشنب بن ربيعة، بن يرام، بن حضرموت؛ ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملكهم مائة سنة، وقاتل العمالقة.
ثم ملك بعده ابنه كريب، ذو كراب بن نمر الأزج مائة وثلاثاً وثلاثين سنة.
ثم ملك بعده مرثد ذومران بن كريب مائة وأربعين سنة، وكان يسكن مأرب، ثم تحول إلى حضرموت.
ثم ملك بعده ابنه علقمة ذوقيقان بن مرثد ذي مران ثلاثين سنة.
ثم ملك بعده ابنه ذوعيل بن ذي قيقان عشرين سنة. ثم تحول من حضرموت إلى صنعاء واشتدت وطأته. وهو أول من غزا الروم من ملوك اليمن، وأدخل الحرير والديباج اليمن.
ثم ملك بعده ابنه بدعيل بن ذي عيل أربع سنين، وبنى بها حصوناً وخلف آثاراً.
ثم ملك بعده ابنه يدنو ذو حمار بن بدعيل بحضرموت وبحر فارس، وكان في أيام سأبور ذي الأكتاف من ملوك الفرس، ودام ملكه ثمانين سنة، وهو أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم.
ثم ملك بعده ابنه ليشرح ذو الملك، بن ودب، بن ذي حمار، بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة، وهو أول من رتب المراتب، وأقام الحرس من ملوكهم.
ثم ملك بعده ينعم بن ذي الملك دثار بن جذيمة.
ثم ملك بعده ساجي بن نمر، وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن، وقد مر القول على ملكهم، ثم ملك الفرس بعدهم إلى ظهور الإسلام في الكلام على ملوك اليمن في القسم الأول من اليمن، فأغنى عن إعادته هنا.
وأما نجران وجرش، فإنما كانا بيد جرهم من القحطانية، ثم غلبهم على ذلك بنو حمير، وصار ولاةً للتبابعة، فكان كل من ملك منهم يسمى أفعى.
ومنهم كان الأفعى الذي حكم بين أولاد بني نزار بن معد بن عدنان في قصتهم المشهورة.
ثم نزل نجران بنو مدحج، واستولوا عليها، ثم نزل في جوارهم الحارث بن كعب الأزدي فغلبهم عليها، وانتهت رياسة بني الحارث فيها إلى بني الديان، ثم صارت إلى بني عبد المدان، إلى أن كان منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يزيد، فأسلم على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وكان منهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السفاح، ولاه نجران واليمامة، وخلف ابنه محمداً ويحيى، ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان، واتصل مجيئهم وكان آخرهم عبد القيس الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده.
أما في الإسلام، فقد تقدم في الكلام على القسم الأول من اليمن أيضاً أنه لما ظهر الإسلام أسلم باذان نائب الفرس على اليمن، وتتابع أهل اليمن في الإسلام، وولى النبي صلى الله عليه وسلم على صنعاء شهر بن باذان المذكور، فلما خرج الأسود العنسي، أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن على ما تقدم، وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهر بن باذان وتزوج امرأته. فلما قتل العنسي ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، استبد بصنعاء قيس بن عبد يغوث المرادي، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك.
ثم كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه. فولى على اليمن فيروز الديلمي ثم ولي بعده المهاجر بن أبي أمية. ثم توالت عمال الخلفاء على اليمن على ما تقدم في الكلام على القسم الأول من اليمن. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن كان أول المائة الرابعة بعد الهجرة أو ما قاربها. فغلبت على صنعاء وما والأها بنو يعفر من بقايا التبابعة. قال ابن سعيد: وكان دار ملكهم كحلان، وهي قلعة من عمل صنعاء بالقرب منها، ولم أقف على تفاصيل أحوالهم وأسماء ملوكهم.
ثم كانت دولة أئمة الزيدية القائمين بها إلى الآن، وهم بنو القاسم الرسي، ابن إبراهيم طباطبا، بن إسماعيل الديباج، بن عبد الله، بن الحسن المثنى، بن الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وكان مبدأ أمرهم أن محمد بن إبراهيم طباطبا خرج بالكوفة في خلافة المأمون، في سنة تسع وتسعين ومائة ودعا إلى نفسه، وكان شيعته في الزيديه وغيرهم يقولون: إنه مستحقٌ للإمامة بالتوارث من آبائه عن جده إبراهيم الأمام، وغلب على كثيرٍ من بلاد العراق، ثم خمدت سورته، فتطلب المامون أخاه القاسم الرسي فهرب إلى الهند، ولم يزل به جتى هلك سنة خمس وأربعين ومائتين، فرجع ابنه الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا إلى اليمن، فكان من عقبه هؤلاء الأئمة.
وأول من خرج منهم باليمن يحيى بن الحسين الزاهد بن القاسم الرسي ودعا لنفسه بصعدة وتلقب بالهادي، وبويع بالأمامة سنة ثمان وثمانين ومائتين في حياة أبيه الحسين، وجمع الشيعة وغيرهم حارب إبراهيم بن يعفر، ويقال أسد بن يعفر، القائم من أعقاب التبابعة بصنعاء وكحلان، وملك صنعاء ونجران وضرب السكة باسمه.
قال في مسالك الأبصار: واستجاب الناس لندائه، وصلوا بصلاته وأمنوا على دعائه؛ وقام فيهم مقاماً عظيماً، وأثر فيهم من الصلاح أثراً مشهوداً، قال: وفي ذلك يقول: [طويل]
بني حسنٍ إني نهضت بثأركم ** وثأر كتاب الله والحق والسنن

وصيرت نفسي للحوادث عرضةً ** وغبت عن الأخوان والأهل والوطن

ثم ارتجعهما بنو يعفر منه ورجع هو إلى صعدة، فتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين، لعشر سنين من بيعته. قال ابن المحاب: وله مصنفات في الحلال والحرام. وقال غيره، كان مجتهداً في الأحكام الشرعية، وله في الفقه آراءٌ غريبة، وتآليف بين الشيعة مشهورة، قال ابن حزم: ولم يبعد في الفقه عن الجماعة كل البعد.
قال الصولي: ثم ولي بعده ابنه محمد المرتضى وتمت له البيعة، فاضطرب الناس عليه. قال في أنساب الطالبيين: واضطر إلى تجريد السيف فجرده. وفي ذلك يقول: [رمل]
كدر الورد علينا بالصدر ** فعل من بدل حقاً أو كفر

أيها الأمة عودي للهدى ** ودعي عنك أحاديث البشر

عدمتني البيض والسمر معاً ** وتبدلت رقاداً بسهر

لأجرن على أعدائنا ** نار حربٍ بضرام وشرر

ومات سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة لثنتين وعشرين سنةً من ولايته.
وولي بعده أخوه الناصر فاستقام ملكه.
ثم ولي بعده ابنه الحسين المنتجب بالجيم ومات سنة أربع وعشرين وثلثمائة.
وولي بعده أخوه القاسم المختار بعهدٍ من أخيه المذكور، وقتله أبو القاسم بن الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين وثلثمائة.
وولي بعده صعدة جعفر الرشيد ثم بعده أخوه المختار ثم أخوه الحسن المنتجب ثم أخوه محمد المهدي.
قال ابن المحاب: ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردةً إلى أن وقع الخلاف بينهم وجاء السليمانيون أمراء مكة حين غلبة الهواشم عليهم فغلبوا على صعدة في المائة السادسة.
قال ابن السعيد: وقام بها منهم أحمد بن حمزة بن سليمان، بن داود، ابن عبد الله، بن المثنى، بن الحسن السبط، وغلب على زبيد وملكها من بني مهدي، ثم انتزعها بنو مهدي منه، وعاد إلى صعدة ومات.
فولي بعده ابنه المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة، وامتدت يده مع الناصر لدين الله خليفة بني العباس ببغداد، وبعث دعاته إلى الديلم والجبل، فخطب له بهما وأقيم له بهما ولاة، وكان بينه وبين سيف الإسلام بن أيوب، ثم الملك مسعود ابن الملك الكامل حروب باليمن. وبقي حتى توفي سنة ثلاثين وستمائة عن عمرٍ طويل.
وولي بعده ابنه أحمد بن المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة، ولقب بالمتوكل صغيراً ولم يخطب له بالأمامة لصغر سنه.
وكان بنو الرسي حين غلب عليهم السليمانيون بصعدة أووا إلى جبلٍ شرقي صعدة، فلم يبرحوا عنه، والخبر شائع بأن الأمر يرجع إليهم، إلى أن كان المتوكل أحمد بن السليمانيين، فبايع الزيدية أحمد الموطىء، بن الحسين المنتجب، بن أحمد الناصر، بن يحيى الهادي، بن الحسين، بن القاسم الرسي، بن إبراهيم طباطبا، المقدم ذكره في سنة خمس وأربعين وستمائة.
وكان الموطىء فقيهاً أديباً عالماً بمذهبهم، قواماً صواماً، فأهم عمر بن علي بن رسول صاحب زبيد شأنه، فحاصره بحصن ملا سنةً فلم يصل إليه، وتمكن أمر الموطىء وملك عشرين حصناً، وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها، فنزل أحمد المتوكل: إمام السليمانيين إليه، وبايعه في سنة تسع وأربعين وستمائة، وحج سنة خمسين وستمائة وبقي أمر الزيدية بصعدة في عقبه.
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار: أنه سأل تاجج الدين عبد الباقي اليماني أحد كتاب اليمن عن تفاصيل أحوال هذه الأئمة فقال: إن أئمة الزيديين كثيرون، والمشهور منهم المؤيد بالله، والمنصور بالله، والمهدي بالله، والمطهر يحيى بن حمزة. قال: ويحيى بن حمزة هو الذي كان آخراً على عهد الملك المؤيد داود بن يوسف صاحب اليمن، وكانت الهدنة تكون بينهما.
وذكر في التعريف أن الأمامة في زمانه كانت في بني المطهر. ثم قال: واسم الأمام القائم في وقتنا حمزة. ثم قال: ويكون بينه وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات تارةً وتارةً. قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه: وقد سمعت بمصر أن الأمام بصعدة كان قبل الثمانين والبسعمائة علي ابن محمد من أعقابهم، وتوفي قبل الثمانين، وولي ابنه صلاح، وبايعه الزيدية، وكان بعضهم يقول فيه: إنه ليس بإمامٍ لعدم اجتماع شروط الأمامة، فيقول: أنا لكم على ما شئتم: إمامٌ أو سلطان.
ثم مات صلاحٌ آخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته. فقال: أنا محتسب لله تعالى.
قلت: وقد وهم في التعريف: فجعل هذه الأئمة من بقايا الحسنيين القائمين بآمل الشط من بلاد طبرستان، وأن القائم منهم بآمل الشط بطبرستان هو الداعي المعروف بالعلوي من الزيدية، وهو الحسن، بن زيد، بن محمد، بن إسماعيل، بن الحسن السبط، بن علي، بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج سنة خمس وخمسين ومائتين أو ما يقاربها، فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها ثم مات، وقام أخوه محمد بن زيد مقامه. وكان لشيعته من اليزيدية دولةٌ هناك، ثم انقرضت وورثها الناصر الأطروش وهو الحسن بن علي، بن الحسين، بن علي، بن عمر، بن علي بن زين العابدين، بن الحسين السبط، بن علي، بن أبي طالب، وكان له دولة هناك.
ثم خرج على الأطروش من الزيدية الداعي الأصغر، وهو الحسن بن القاسم، بن علي، بن عبد الرحمن، بن القاسم، بن محمد البطحائي، بن القاسم، بن الحسن، بن زيد، بن الحسن السبط، وجرى بينه وبلين الأطروش حروبٌ إلى أن قتل سنة تسع عشرة وثلثمائة، ويجتمع الداعي الأصغر مع الداعي الأكبر في الحسن بن زيد، وليس بنو الرسي الذين منهم أئمة اليمن من هؤلاء بوجهٍ.
الجملة الثالثة في ترتيب مملكة هذا الأمام:
قال في التعريف بعد أن ذكر إمام زمانه: وهذا الأمام وكل من كان قبله على طريقة ما عدوها، وهي إمارة أعرابية، لا كبر في صدورها، ولا شمم في عرانينها، وهم على مسكة من التقوى، وترد بشعار الزهد، يجلس في ندي قومه كواحدٍ منهم، ويتحدث فيهم ويحكم بينهم، سواءٌ عند المشروف والشريف، والقوي والضعيف. قال: وربما اشترى سلعته بيده، ومشى بها في أسواق بلده، لا يغلط الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع، ولا تكثر غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله، مع عدلٍ شامل، وفضلٍ كامل.
وذكر في مسالك الأبصار عن تاج الدين عبد الباقي اليماني الكاتب نحو ذلك. فقال: وأئمتهم لا يحجبون ولا يحتجبون، ولا يرون التفخيم والتعظيم، الأمام كواحد من شيعته: في مأكله ومشربه وملبسه، وقيامه وقعوده، وركوبه ونزوله، وعامة أموره، يجلس ويجالس، ويعود المرضى، ويصلي بالناس على الجنائز، ويشيع الموتى ويحضر دفن بعضهم. قال: ولشيعته فيه حسن اعتقاد، ويستشفون بدعائه، ويمرون يده على مرضاهم، ويستسقون المطر به إذا أجدبوا، ويبالغون في ذلك مبالغة عظيمةً، قال المقر الشهابي بن فضل الله: ولا يكبر لإمامٍ هذه سيرته في التواضع لله وحسن المعاملة لخلقه، وهو من ذلك الأصل الطاهر، والعنصر الطيب أن يجاب دعاؤه، ويتقبل منه. وينادي ببلاد هذا الأمام في الأذان بحي على خير العمل بدل الحيعلتين، كما كان ينادى بذلك في تأذين أهل مصر في دولة الخلفاء الفاطميين لها. قال في التعريف: وأمراء مكة تسر طاعته، ولا تفارق جماعته. قال ابن غانم: هذا الأمام يعتقد في نفسه ويعتقد في أشياعه فيه أنه إمامٌ معصوم، مفترض الطاعة، تنعقد به عندهم الجمهعة والجماعة، ويرون أن ملوك الأرض. وسلاطين الأقطار يلزمهم طاعته ومبايعته، حتى خلفاء بني العباس، وأن جميع من مات منهم مات عاصياً بترك مبايعته ومتابعته. قال: وهم يزعمون ويزعم لهم أن سيكون لهم دولة يدال بها بين الأمم، وتملك منتهى الهمم، وأن الأمام الحجة المنتظر في آخر الزمان منهم.
وذكر عن رسول الله هذا الأمام، الواصل إلى مصر: أن الأئمة في هذا البيت أهل علم يتوارثونه: إمامٌ عن إمام، وقائمٌ عن قائم. وذكر عن بعض من مر بهم أنه فارقهم في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وهم لا يشكون أنه قد آن أوان ظهورهم، وحان حين ملكهم، ولهم رعايا تختلف إلى البلاد، وتجتمع بمن هو على رأيهم، تصون ضعف الدولة في أقطار الأرض.
وحكى المقر الشهابي بن فضل الله عن قاضي القضاة كمال الدين محمد ابن الزملكاني قاضي حلب: أنه مات رجلٌ من شيعتهم بحلب، فوجد عنده صندوقان، ضمنهما كتبٌ من أئمة هذه البلاد إلى ذلك الرجل وإلى سلفه، يستعرفون فيها الأخبار، وأحوال الشيعة، والسؤال عن أناس منهم، وأن في بعضها: ولا يؤخر مدد من هنا من إخوانكم المؤمنين في هذه البلاد الشاسعة، وهو حق الله في تزكية أموالكم، ومدد إخوانكم من الضعفاء واتقوا الله و{استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً}.
ونقل عن الشيخ شهاب الدين بن غانم: أنه حدثه عند وصوله من اليمن أن هذا الأمام في منعةٍ منيعة، ودروة رفيعة، وأنه يركب في نحو ثلاثة الأف فارس، وأن عسكره من الرحالة، خلق لا جسم، وذكر عمن أقام عندهم: أنهم أهل نجدة وبأس، وشجاعة ورأي، غير أن عددهم قليل وسلاحهم ليس بكثير، لضيق أيديهم، وقلة بلادهم، ونقل عن تاج الدين عبد الباقي اليمني: أنه قومه معه على الطواعية والأنقياد، لا يخرج أحدٌ منهم له عن نص، ولا يشاركه فيما يتميز به.
قال ابن غانم: وزي هذا الأمام وأتباعه زي العرب في لباسهم والعمامة والحنك، بخلاف ما تقدم من زي صاحب اليمن من بني رسول، قال الشيخ شهاب الدين بن غانم: وهذا الأمام لا يزال صاحب اليمن يرعى جانبه، وفي كل وقت تعقد بينهما العقود، وتكتب الهدن، وتوثق المواثيق، وتشترط الشروط.
قال في التعريف: وقد وصل إلينا بمصر في الأيام الناصرية سقى الله تعالى عهدها رسولٌ من هذا الأمام بكتاب أطال الشكوى من صاحب اليمن، وعدد قبائحه، ونشر على عيون الناس فضائحه، واستنصر بمددٍ يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره، وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره.
قال: إنه إذا حضرت الجيوش المؤيدة قام معها، وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها، ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه، وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضه، قال: فكتبت إليه مؤذناً بالأجابة، مؤدياً إليه ما يقتضي إعجابه، وضمن الجواب أنه لا رغبة لنا في السلب، وأن النصرة تكون لله خالصةً وله كل البلاد لا قدر ما طلب.
وسيأتي ذكر المكاتبة إلى هذا الأمام عن الأبواب السلطانية في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القطر الثاني مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية بلاد البحرين:
تثنية بحر، قال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المهملة وسكون المثناة من تحت ثم نون، وهي قطعة من جزيرة العرب المذكورة.
قال في تقويم البلدان: وهي ناحية من نواحي نجد، على شط بحر فارس، ولها قرى كثيرة، قال وهي هجر ونهايتها الشرقية الشمالية قال في الأطوال ونهايتها من الشمال في الإقليم الثاني حيث الطول أربع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمسٌ وعشرون درجةً وخمس وأربعون دقيقة.
قال في المشترك: ويقال للبحرين هجر أيضاً- بفتح الهاء والجيم ثم راء مهملة وليست هجر مدينةً بعينها. قال الأزهري: وإنما سميت هجر بالبحرين ببحيرة بها عند الأحساء، وبالبحر الملح يعني فارس، والنسبة إلى البحرين بحراني.
قال الجوهري: والنسبة إلى هجر هاجري على غير قياس. قال الأزهري: وسميت هجر بهجر بنت المكنف، وهي التي بنتها.
وفيها ثلاث جمل:
الجملة الأولى فيما تشتمل عليه من المدن:
وقاعدتها عمان قال في اللباب: بضم العين المهملة وفتح الميم ونون في الآخر بعد الألف. قال الأزهري: وسميت بعمان بن نعسان بن إبراهيم عليه السلام، وموقعها في الإقليم الأول.
قال: وهي على البحر تحت البصرة. قال المهلبي: وهي مدينة جليلة، بها مرسى السفن من السند والهند والزنج، وليس على بحر فارس مدينةٌ أجل منها، وأعمالها نحو ثلثمائة فرسخ، قال: وهي ديار الأزد قال في تقويم البلدان: وهي بلدة كثيرة النخل والفواكه، ولكنها حارة جداً. وكانت القصبة في القديم مدينة صحار. قال في تقويم البلدان: بضم الصاد وفتح الحاء المهملتين كما في الصحاح. قال: وهي اليوم خراب.
وبها بلاد أخرى غير ذلك.
منها الأحساء. قال في تقويم البلدان: بفتح الهمزة وسكون الحاء وفتح السين المهملتين وألفٍ في الآخر. قال في المشترك: والأحساء جمع حسي، وهو رمل يغوص فيه الماء، حتى إذا صار إلى صلابة الأرض أمسكته فتحفر عنه العرب وتستخرجه. وموقعها في أوائل الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال: حيث الطول ثلاثٌ وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة. قال في تقويم البلدان: ذات نخيل كثير، ومياه جارية، ومنابعها حارة شديدة الحرارة، ونخيلها بقدر غوطة دمشق، وهو مستدير عليها، وهي في البرية في الغرب عن القطيف بميلة إلى الجنوب، على مرحلتين منها.
قال: وتعرف بأحساء بني سعد.
ومنها القطيف. قال في اللباب: بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وفاءٍ في الآخر. وهي بلدةٌ على مرحلتين من الأحساء من جهة الشرق والشمال، واقعة في الإقليم الثاني من لأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمسٌ وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي على شط بحر فارس، وبها مغاص لؤلؤ، وبها نخيلٌ دون نخيل الأحساء. قال: وعن بعض أهلها أن لها سوراً وخندقاً ولها أربعة أبواب، والبحر إذا مد يصل إلى سورها وإذا جزر ينكشف بعض الأرض، وهي أكبر من الأحساء، قال: ولها خور في البحر تدخل فيه المراكب الكبار الموسقة في حالة المد والجزر، بينها وبين البصرة ستة أيام، وبينها وبين عمان مسيرة شهر.
ومنها كاظمة. قال في تقويم البلدان: بكاف وألف وظاءٍ معجمة مكسورةٍ وميم وهاء. قال: وهي جون على ساحل البحر، بين البصرة والقطيف، في سمت الجنوب عن البصرة، وبينها وبين البصرة مسيرة يومين، وبينها وبين القطيف أربعة أيام.
الجملة الثانية في ذكر ملوكها:
قد ذكر صاحب العبر: أنها كانت في القديم لعادٍ مع حضرموت والشحر وما والأهما، ثم غلب عليها بعد ذلك بنو يعرب بن قحطان.
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها:
قد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق من مملكة مصر إلى البصرة.
قال ابن خرداذبه: ثم من البصرة إلى عبادان، ثم إلى الحدوثة، ثم إلى عرفجاء، ثم إلى الزأبوقة، ثم إلى المغز، ثم إلى عصا، ثم إلى المعرس، ثم إلى خليجة، ثم إلى حسان، ثم إلى القرى، ثم إلى مسيلحة، ثم إلى حمض، ثم إلى ساحل هجر، ثم إلى العقير، ثم إلى القطن، ثم إلى السبخة، ثم إلى عمان.
ثم إلى مرسى حلي، ثم إلى مرسى ضنكان، ثم إلى سجين، ثم إلى مخلاف الحكم، ثم إلى الجودة، ثم إلى مخلاف عك، ثم إلى غلافقة، ثم إلى مخلاف زبيد، ثم إلى المندب، ثم إلى مخلاف الركب، ثم إلى المنجلة، ثم إلى مخلاف بني مجيد، ثم إلى مغاص اللؤلؤ، ثم إلى عدن، ثم إلى مخلاف لحج، ثم إلى قرية عبد الله بن مذحج، ثم إلى مخلاف كندة، ثم إلى الشحر، ثم إلى ساحل هماه، ثم إلى عوكلان، ثم إلى فرق، ثم إلى عمان، وهي طريق بعيدة.
ولعربها مكاتبات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
القطر الثالث مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية: اليمامة:
قال في تقويم البلدان: بفتح المثناة من تحت والميم وألف وميم وهاء في الآخر. وهي قطعةٌ من جزيرة العر بـ من الحجاز، وعليه جرى الفقهاء فحكموا بتحريم مقام الكفر بها كما بسائر أقطار الحجاز، وهي في سمت الشرق عن مكة المشرفة.
قال البيهقي: وهي ملك منقطع بعمله، ويحدها من جهة الشرق البحرين، ومن الغرب أطراف اليمن، ومن الشمال نجد والحجاز، وأرضها تسمى العروض: لاعتراضها بين الحجاز والبحرين، وطولها عشرون مرحلةٍ. وهي من جهة الغرب عن القطيف، وبينهما نحو أربع مراحل، وبينها وبين مكة أربعة أيام، وسميت اليمامة باسم امرأة: وهي اليمامة بنت سهم بن طسم، وكانت تنزلها إلى أن قتلها عبد كلال وصلبها على بابها فسميت بها، سماها بذلك تبعٌ آخر.
قال في تقويم البلدان: وكان اسمها في القديم جوا بفتح الجيم وسكون الواو. قال في تقويم البلدان: وهي عن البصرة على ست عشرة مرحلة، وعن الكوفة مثل ذلك. قال في تقويم البلدان: وبها من القرب عين ماء متسعةٌ وماؤها سارحٌ، وذكر أنها أكثر نخيلاً من سائر الحجاز، ثم نقل عمن رآها في زمانه أن بها آباراً وقليل نخل، وكأنه حكى معبراً عما كانت عليه في القدم، وبها وادٍ يسمى- الخرج- بخاء معجمة مفتوحة وراءٍ مهملة ساكنة وجيم الآخر، كما هو مضبوط في الصحاح.
وفيها ثلاث جمل:
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من البلدان:
قد ذكر في تقويم البلدان: عمن أخبره ممن رآها في زمانه أنها بها عدة قرى.
وبها الحنطة والشعير كثير، وقاعدتها دون مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، واقعةٌ في أوائل الإقليم الثاني. قال في الأطوال: حيث الطول إحدى وسبعون درجةً وخمس وأربعون دقيقةً، وعرض إحدى وعشرون درجةً وثلاثون دقيقةً.
ومن بلادها حجر قال في المشترك: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وراء مهملة في الآخر. وهي في الغرب عن مدينة اليمامة، على مرحلتين منها. وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة، وموقعها في أوائل الإقليم الثاني.
قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول إحدى وسبعون درجةً وعشر دقائق، والعرض اثنتان وعشرون درجة. وقال: وبها قبور الشهداء الذين قتلوا في حرب مسلمة الكذاب.
الجملة الثانية في ذكر ملوكها:
قال صاحب العبر: كانت هي والطائف بيدد بني هزان بن يعفر بن السكسك، إلى أن غلبهم عليها طسم. ثم غلبها عليها جديس، ومنهم زرقاء اليمامة، ثم استولى عليها بنو حنيفة وكان منهم هوذة بن علي، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام. ثم ملكها من بني حنيفة ثمامة بن أثال على عهد النبي صلى الله عليه وسالم، وأسر ثم أسلم، ثم كان بها منهم مسلمة الكذاب زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل في حرب المسلمين معه.
وكان لبني الأخيضر من الطالبيين بها دولةٌ.
وأول من ملكها منهم محمد بن الأخيضر بن يوسف، بن إبراهيم، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن الحسن المثنى، بن الحسن السبط؛ ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان استيلاؤه عليها أيام المستعين الخليفة العباسي. ثم ملكها بعده ابنه يوسف ثم ابنه الحسن ثم ابنه أحمد ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة، على ما تقدم ذكره في الكلام على بلاد البحرين.
قال ابن سعيد: وسألت عرب البحرين في سنة، لمن اليمامة اليوم؟ فقالوا لعربٍ من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر.
قلت ولم أقف لعربها على ذكر ما في المكاتبات السلطانية بالديار المصرية.
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها:
قد تقدم أنها في جهة الشرق عن مكة، وأن بينهما أربعة أيام، وطريق مكة معروف على ما تقدم.
أما ما ذكره ابن حرداذبه من طريقها على البصرة- فمن البصرة إلى المنشجانية، ثم إلى الكفير، ثم إلى الرحيل، ثم إلى الشجي، ثم إلى الحفر، ثم إلى ماوية، ثم إلى ذات العشر ثم إلى الينسوعة، ثم إلى السمينة، ثم إلى النباج؛ ثم إلى العمومية، ثم إلى القريتين، ثم إلى سويقة، ثم إلى صداة، ثم إلى السد، ثم إلى السقي، ثم إلى المنبية، ثم إلى السفح، ثم إلى المريقة، ثم إلى اليمام، والبصرة قد تقدم أكثر الطريق إليها في الكلام على مملكة إيران.
القطرالرابع: مملكة الهند ومضافاتها:
قال في مسالك الأبصار: وهي مملكة عظيمة الشأن لا تقاس في الأرض بمملكة سواها: لاتساع أقطارها، وكثرة أموالها وعساكرها، وأبهة سلطانها في ركوبه ونزوله، ودست ملكه، وفي صيتها وسمعتها كفايةٌ. ثم قال: ولقد كنت أسمع من الأخبار الطائحة والكتب المصنفة ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها لبعدها منا، وثنائي ديارها عنا، ثم تتبعت ذلك من الرواة، فوجدت أكثر مما كنت أسمع، وأجل مما كنت أظن. وحسبك ببلاد في بحرها الدر، وفي برها الذهب، وفي جبالها الياقوت والماس، وفي شعابها العود والكافور، وفي مدنها أسرة الملوك؛ ومن وحوشها الفيل والكركدن، ومن حديدها سيوف الهند، وأسعارها رخية، وعساكرها لا تعد، وممالكها لا تحد، ولأهلها الحكمة ووفور العقل، وهم أملك الأمم لشهواتهم وأبذلهم للنفوس فيما يظن به الزلفى.
قال: وقد وصف محمد بن عبد الرحيم الأقليشي هذه المملكة في كتابه تحفة الألباب فقال: الملك العظيم، والعدل الكثير، والنعمة الجزيلة، والسياسة الحسنة والرضا الدائم، والأمن الذي لا خوف معه في بلاد الهند. وأهل الهند أعلم الناس بأنواع الحكمة والطب والهندسة والصناعات العجيبة ثم قال: وفي جبالهم وجزائرهم ينبت شجر العود والكافور وجميع أنواع الطيب: كالقرنفل والسنبل والدارصيني، والقرفة، والسليخة والقاتلة، والكبابة، والبسباسة وأنواع العقاقير. وعندهم غزال المسك وسنور الزباد، هذا مع ما هذه المملكة عليه من اتساع الأقطار، وتباعد الأرجاء، وتنائي الجوانب.
فقد حكى في مسالك الأبصار: عن الشيخ مبارك بن محمود الأنباتي: أن عرض هذه المملكة ما بين سومنات وسرنديب إلى غزنة، وطولها من الفرضة المقابلة لعدن إلى سد الإسكندر عند مخرج البحر الهندي، من البحر المحيط، وأن مسافة ذلك ثلاث سنين في مثلها بالسير المعتاد، كلها متصلة المدن ذوات المنابر والأسرة والأعمال، والقرى، والضياع، والرساتيق، والأسواق، لا يفصل بينها خراب، بعد أن ذكر عنه أنه ثقة ثبت عارف بما يحكيه إلا أنه استبعد هذا المقدار، وقال: إن جميع المعمور لا يفي بهذه المسافة، اللهم إلا أن يريد أن هذه مسافة من يتنقل فيها حتى يحيط بجميعها مكاناً مكاناً، فيحتمل على ما فيه.
وفيه إحدى عشرة جملةً.
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم:
وتحتوي هذه المملكة على إقليمين عظيمين:
الإقليم الأول: إقليم السند:
وما انخرط في سلكه من مكران، وطوران، والبدهة، وبلاد القفس والبلوص فأما السند، فبكسر السين المهملة وسكون النون ودال مهملة في الآخر. قال ابن حوقل: ويحيط به من جهة الغرب حدود كرمان، وتمام الحد مفازة سجستان؛ ومن جهة الجنوب مفازة هي فيما بين كرمان والبحر الهندي، والبحر جنوبي المفازة، ومن جهة الشرق بحر فارس أيضا: لأن البحر يتقوس على كرمان والسند، حتى يصير له دخلة شرقي بلاد السند؛ ومن جهة الشمال قطعة من الهند. قال ابن خرداذبة: وبالسند القسط، والقنا، والخيزران.
وقاعدته المنصورة- قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون النون وضم الصاد المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر.
وهي مدينة بالسند واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول خمس وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة واثنتان وأربعون دقيقة. قال في القانون: واسمها القديم يمنهو وإنما سميت المنصورة لأن الذي فتحها من المسلمين قال نصرنا. وقال المهلبي: إنما سميت المنصورة لأن عمر بن حفص المعروف بهزارمرد بناها في أيام أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس وسماها بلقبه.
قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة يحيط بها خليج من نهر مهران وهو نهر يأتي من الملتان فهي كالجزيرة ولكنها بلدة حارة وليس بها سوى النخيل، وبها قصب السكر، وبها أيضا ثمر على قدر التفاح شديد الحموضة، يسمى اليمومة.
وبها عدة مدن وبلادٍ أيضاً.
منها الديبل- قال في اللباب: بفتح الدال المهملة وسكون المثناة من تحتها وضم الباء الموحدة ولام في الآخر. وهي بلدة على ساحل البحر، واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي بلدة صغيرة على ساحل ماء السند شديدة الحر. قال ابن حوقل: وهي شرقي مهران، وهي فرضة تلك البلاد. وقال في اللباب: إنها على البحر الهندي قريبة من السند. قال ابن سعيد: وهي في دخلة من البر في خليج السند، وهي أكبر فرض السند وأشهرها؛ ويجلب منها المتاع الديبلي. قال في تقويم البلدان: وبها سمسم كثير، ويجلب إليها التمر من البصرة، وبينها وبين المنصورة ست مراحل.
ومنها البيرون. قال في اللباب: بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء المهملة وبعدها واو ونون في الآخر. وهي مدينة من أعمال الديبل بينها وبين المنصورة، واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول أربع وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي من فرض بلاد السند التي عليها خليجهم المالح الخارج من بحر فارس. قال في العزيزي وأهلها مسلمون، ومنها إلى المنصورة خمسة عشر فرسخاً. قال ابن سعيد: وإليها ينسب أبو الريحان البيروني، يعني صاحب القانون في أطوال البلاد وعروضها.
ومنها سدوسان. قال في تقويم البلدان: بفتح السين وضم الدال المهملتين وواو ثم سين مهملة ثانية مفتوحة وألف ونون. وهي مدينة غربي نهر مهران، واقعة في أوائل الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول أربع وتسعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق. قال ابن حوقل: وهي خصبة كثيرة الخير وحولها قرًى ورستاق، وهي ذات أسواق جليلة.
ومنها المولتان قال في تقويم البلدان: بضم الميم وسكون اللام ثم تاء مثناة فوقية وألف ونون. قال: وهي في أكثر الكتب مكتوبة بواو. وهي مدينة من السند فيما ذكره أبو الريحان البيروني، وإن كان ابن حوقل جعلها من الهند وعليه جرى في مسالك الأبصار لأن البيروني أقعد بذلك منه: لأن السند بلاده فهو بها أخبر، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول ست وتسعون درجة وخمس وعشرون دقيقةً، والعرض ثمانٌ وعشرون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أصغر من المنصورة.
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن بعض المصنفات أن قرى الملتان مائة ألف قرية وستة وعشرون ألف قرية. قال المهلبي: وأعمال الملتان واسعةٌ من قرب حد مكران من الجنوب إلى حد المنصورة، وبينها وبين غزنة ثمانية وستون فرسخاً.
ومنها أزور. قال ابن حوقل: وهي مدينةٌ تقارب الملتان في الكبر، وعليها سوران وهي على نهر مهران. وقال في العزيزي: هي مدينةٌ كبيرة وأهلها مسلمون في طاعة صاحب المنصورة وبينهما ثلاثون فرسخاً، قال في القانون: حيث الطول خمسٌ وتسعون درجة وخمسٌ وخمسون دقيقة، والعرض ثمانٌ وعشرون درجة وعشر دقائق.
وأما مكران، فقال في اللباب: بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة وألف ونون. قال ابن حوقل: وهي ناحية واسعة عريضة، والغالب عليها المفاوز والقحط والضيق. وقد اختلف كلام صاحب تقويم البلدان فيها فذكر في الكلام على السند أنها منه، وذكر في كلامه على مكران في ضمن بلاد السند أنها من كرمان.
وقاعدتها التيز قال في اللباب: بالتاء المثناة الفوقية الممالة ثم ياء آخر الحروف وزاي معجمة في الآخر، وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ستٌّ وثمانون درجة، والعرض ست وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي فرضة مكران وتلك النواحي، وهي على شط نهر مهران في غربيه بقرب الخليج المنفتح من مهران على ظهر المنصورة.
وأما طوران. فناحية على خمس عشرة مرحلةً من المنصورة. قال في القانون: وقصبتها قندابيل قال: وهي حيث الطول خمسٌ وتسعون درجةً، والعرض ثمانٌ وعشرون درجة.
وذكر ابن حوقل أن قصبة طوران قزدار قال في اللباب: بضم القاف وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وألف وراء مهملة. وقد نقل في تقويم البلدان عن إخبار من رآها أنها قليعة. قال في تقويم البلدان: وهي كالقرية لصغرها، وهي في وطاءة من الأرض على تليل، وحولها بعض بساتين. وذكر في الباب أن قزدار ناحيةٌ من نواحي الهند. قال في تقويم البلدان: وبينها وبين الملتان نحو عشرين مرحلة.
وأما البدهة، فقال ابن حوقل: وهي مفترشةٌ ما بين حدود طوران ومكران والملتان ومدن المنصورة؛ وهي في غربي نهر مهران، وأهلها أهل إبلٍ كالبادية، ولهم أخصاصٌ وآجامٌ. قال في تقويم البلدان: ومن المنصورة إلى أول البدهة خمس مراحل، ومن أراد البدهة من المنصورة احتاج إلى عبور نهر مهران.
الإقليم الثاني: إقليم الهند:
قال في الأنساب: بكسر الهاء وسكون النون ودالٍ مهملة في الآخر. قال في تقويم البلدان: والذي يحيط به من جهة الغرب بحر فارس، وتمامه حدود السند، ومن جهة الجنوب البحر الهندي، ومن جهة الشرق المفاوز الفاصلة بين الهند والصين، ولم يذكر الحد الذي من جهة الشمال. وذكر في مسالك الأبصار أن حده من جهة الشمال بلاد الترك. وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي: أنه ليس في هذه المملكة خراب سوى مسافة عشرين يوماً مما يلي غزنة، لتجاذب صاحب الهند وصاحب تركستان وما وراء النهر بأطراف المنازعة، أو جبال معطلة، أو شعواء مشتبكة.
قال صاحب مسالك الأبصار: وسألت الشيخ مبارك الأنباتي عن بر الهند وضواحيه فقال: إن به أنهاراً ممتدة تقارب ألف نهر كبار وصغار، منها ما يضاهي النيل عظماً، ومنها ما هو دونه، ومنها ما هو مثل بقية الأنهار. وعلى صغار الأنهار القرى والمدن؛ وبه الأشجار الكثيفة والمروج الفيح. قال: وهي بلادٌ معتدلة لا تتفاوت حالأت فصولها، ليست مفرطةً في حرٍّ ولا برد، بل كأن كل أوقاتها ربيع، وتهب بها الأهوية والنسيم اللطيف، وتتوالى بها الأمطار مدة أربعة أشهر، وأكثرها في أخريات الربيع إلى ما يليه من الصيف.
ثم لمملكة الهند قاعدتان:
القاعدة الأولى: مدينة دلّي:
قال في تقويم البلدان: بدالٍ مهملة ولامٍ مشددة مكسورة ثم مثناة تحتية، ولم يتعرض لضبط الدال والناس ينطقون بها بالفتح وبالضم. وسماها صاحب تقويم البلدان في تاريخه دهلي بابدال اللام هاء. وهي مدينةٌ ذات إقليمٍ متسع، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول مائةٌ وثمانٌ وعشرون درجة وخمسون دقيقة، والعرض خمسٌ وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينةٌ كبيرة في مستوٍ من الأرض، وتربتها مختلطة بالحجر والرمل، وعليها سور من آجرٍّ، وسورها أكبر من سور حماة، وهي بعيدة من البحر، ويمر على فرسخ منها نهرٌ كبير دون الفرات، وبها بساتين قليلة وليس بها عنب، وتمطر في الصيف؛ وبجامعها منارة لم يعلم في الدنيا مثلها، مبنية من حجرٍ أحمر ودرجها نحو ثلثمائة درجةٍ؛ وهي كبيرة الأضلاع، عظيمة الأوضاع واسعة الأسفل وارتفاعها يقارب منارة الإسكندرية.
وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ برهان الدين بن الخلال البزي الكوفي: أن علوها في نحو ستمائة ذراع. وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن دلّي مدائن جمعت ولكل مدينةٍ منها اسمٌ يخصها ودلّي واحدة منها. قال الشيخ أبو بكر ابن الخلال: وجملة ما يطلق عليه الآن اسم دلّي إحدى وعشرون مدينةً.
قال الشيخ مبارك: وهي مميلة طولاً وعرضاً، ويكون دور عمرانها أربعين ميلاً، وبناؤها بالحجر والأجرّ، وسقوفها بالخشب، وأرضها مفروشةٌ بحجرٍ أبيض شبيهٍ بالرخام، ولا يبنى بها أكثر من طبقتين وربما اقتصر على طبقةٍ واحدة، ولا يفرش دوره فيها بالرخام إلا السلطان. قال: وفيها ألف مدرسةٍ، منها مدرسةٌ واحدة للشافعية وباقيها للحنفية، وبها نحو سبعين بيمارستاناً، وتسمى بها دور الشفاء! وبها وببلادها من الربط والخوانق نحو ألفين، وفيها الزيارات العظيمة، والأسواق الممتدة، والحمامات الكثيرة؛ وشرب أهلها من ماء المطر، تجتمع الأمطار فيها في أحواضٍ وسيعة كل حوضٍ قطره غلوة سهمٍ أو أكثر. أما مياه الاستعمال وشرب الدواب فمن آبارٍ قريبة المستقى، أطول ما فيها سبعة أذرع. وقد صارت دلّي قاعدةً لجميع الهند ومستقر السلطان وبها قصورٌ ومنازل خاصةٌ بسكنه وسكن حريمه، ومقاصير جواريه وحظاياه وبيوت خدمه ومماليكه، لا يسكن معه أحدٌ منالخانات ولا من الأمراء، ولا يكون بها أحد منهم إلا إذا حضر للخدمة ثم ينصرف كل واحدٍ منهم إلى بيته. ولها بساتين من جهاتها الثلاث: الشرق، والجنوب، والشمال على استقامة. كل خط اثنا عشر ميلاً، أما الجهة الغربية فعاطلة من ذلك لمقاربة جبل لهابة. ووراء ذلك مدنٌ وأقاليمٌ متعددة.
القاعدة الثانية: مدينة الدواكير:
ومدينة الدواكير بفتح الدال المهملة والواو وألفٍ بعدها كاف مكسورة ثم ياء مثناة تحتية وراء مهملة في الآخر. وهي مدينةٌ ذات إقليمٍ متسع. وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك الأنباتي: أنها مدينةٌ قديمة جددها السلطان محمد بن طغلقشاه، وسماها قبة الإسلام. وذكر أنه فارقها ولم تتكامل بعد، وأن السلطان المذكور كان قد قسمها على أن تبنى محلات لأهل كل طائفةٍ محلة: الجند في محلة، والوزراء في محلة، والكتاب في محلة، والقضاة والعلماء في محلة، والمشايخ والفقراء في محلة، وفي كل محلة ما يحتاج إليه من المساجد، والأسواق، والحمّامات، والطواحين، والأفران، وأرباب الصنائع من كل نوع حتى الصواغ والصباغين، والدباغين، بحيث لا يحتاج أهل محلة إلى أخرى في بيعٍ ولا شراء، ولا أخذٍ ولا عطاء: لتكون كل محلة كأنها مدينة مفردة قائمة بذاتها.
واعلم أن صاحب تقويم البلدان: قد ذكر عن بعض المسافرين إلى الهند أن بلاد الهند على ثلاثة أقسام.
القسم الأول- بلاد الجزرات.
قال في تقويم البلدان: بالجيم والزاي المعجمة والراء المهملة ثم ألف وتاء مثناة فوق. وبها عدة مدن وبلاد.
منها نهلوارة بالنون والهاء واللام والواو ثم ألفٍ وراءٍ مهملة وهاء. قال ابن سعيد: نهر والة، فقدم الراء وأخر اللام، وكذلك نقله في تقويم البلدان عن بعض المسافرين. وفي نزهة المشتاق نهر وارة براءين. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول ثمانٌ وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاثٌ وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي غربي إقليم المنيبار الأتي ذكره. قال: وهي أكبر من كنبايت، وعمارتها مفرقة بين البساتين والمياه، وهي عن البحر على مسيرة ثلاثة أيام. قال صاحب حماة في تاريخه: وهي من أعظم بلاد الهند.
ومنها كنبايت قال في تقويم البلدان: بالكاف ونونٍ ساكنة وباءٍ موحدة ثم ألفٍ وياء مثناة تحتية وتاء مثناة من فوقها، ومقتضى ما في مسالك الأبصار: أن يكون اسمها أنبايت بإبدال الكاف همزة، فإنه ينسب إليها أنباتي. وهي مدينةٌ على ساحل بحر الهند، موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول تسعٌ وتسعون درجةً وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وذكر في تقويم البلدان عمن سافر إليها أنها غربي المنيبار على خور من البحر طوله مسيرة ثلاثة أيام. قال: وهي مدينةٌ حسنةٌ، أكبر من المعرة من الشام في المقدار، وأبنيتها بالأجر، وبها الرخام الأبيض وبها بساتين قليلة.
ومنها تانة. قال في تقويم البلدان: قال أبو العقول نقلاً عن عبد الرحمن الريان الهندي- بفتح المثناة الفوقية ثم ألفٍ ونونٍ وهاء وهي بلدةٌ على ساحل البحر، واقعةٌ في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول مائةٌ وأربع عشرة درجة وعشرون دقيقةً، والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي من مشارق الجزرات. قال ابن سعيد: وهي مشهورةٌ على ألسن التجار. قال: وأهل هذا الساحل جميعهم كفار يعبدون الأنداد، والمسلمون ساكنون معهم. قال الأدريسي: وأرضها وجبالها تنبت القنا والطباشير ويحمل منها إلى الأفاق. قال أبو الريحان: والنسبة إليها تانشي ومنها الثياب التانشية.
ومنها صومنات قال في تقويم البلدان: بالصاد المهملة ويقال بالسين المهملة ثم واوٍ ساكنة وميم ونون مفتوحتين ثم ألفٍ وتاء مثناة فوقية في الآخر، وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول سبعٌ وتسعون درجة وعشر دقائق، والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في القانون: وهي على الساحل في أرض البوازيج. قال ابن سعيد: وهي مشهورةٌ على ألسنة المسافرين، وتعرف ببلاد اللار، وموضعها في جهةٍ داخلةٍ في البحر فينطحها كثيرٌ من مراكب عدن لأنها ليست في جون، ولها خور ينزل من الجبل الكبير الذي في شماليها إلى شرقيها، وكان بها صنم تعظمه الهنود يضاف إليها، فقال: صنم صومنات فكسره يمين الدولة محمود بن سبكتكين عند فتحها كما هو مذكور في التاريخ.
ومنها سندان بالسين المهملة والنون والدال المهملة والألف والنون، هكذا ذكره في تقويم البلدان: ونقل لفظه عن المهلبي في العزيزي: وقال بعض المسافرين إنها سندأبور بالسين المهملة والنون والدال المهملة وألفٍ وباء موحدة وراءٍ مهملة في الآخر. وهي مدينةٌ على ثلاثة أيام من تانة، موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون: حيث الطول مائةٌ وأربع درج وعشرون دقيقة، والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان عن بعض المسافرين: وهي على جونٍ في البحر الأخضر، وهي آخر إقليم الجزرات. قال في القانون: وهي على الساحل. قال في العزيزيي: وبينها وبين المنصورة خمسة عشر فرسخاً، وهي مجمع الطرق. قال: وهي بلاد القسط والقنا والخيزران، وهي من أجل الفرض التي على البحر.
ومنها ناكور قال في تقويم البلدان: بفتح النون وألفٍ وكاف مضمومة وواوٍ وراءٍ مهملةٍ في الآخر. وهي مدينةٌ على أربعة أيام من دلي.
ومنها جالور بفتح الجيم ثم ألفٍ ولام مضمومة وواوٍ وراءٍ مهملة. وهي على تل ترابٍ نحو قلعة مصياف بين ناكور وبين نهروالة. ويقال إنه لم يعص على صاحب دلي من الجزرات غير جالور.
ومنها منوري. قال في القانون: وهي بين الفرضة وبين المعبر إلى سرنديب حيث الطول مائةٌ وعشرون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة.
القسم الثاني من إقليم الهند بلاد المنيبار.
قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة ثم ألفٍ وراءٍ مهملةٍ في الآخر. وهي إقليمٌ من أقاليم الهند في الشرق عن بلاد الجزرات المقدم ذكرها. قال: والمنيبار هي بلاد الفلفل. ثم قال: والفلفل في شجره عناقيدٌ كعناقيد الدخن، وشجره ربما التف على غيره من الأشجار كما تلتف الدوالي، وبها بلاد كثيرة وجميع بلاد المنيبار مخضرة كثيرة المياه والأشجار الملتفة.
ومنها هنور قال في تقويم البلدان: بفتح الهاء والنون المشددة والواو وراءٍ مهملة. وهي غربي سندأبور من بلاد الجزرات المقدم ذكرها، فتكون أول بلاد المنيبار من الغرب. قال: ولها بساتين كثيرة.
ومنها باسرور بالباء الموحدة وبالسين المفتوحة والراءين المهملات. وهي بلدةٌ صغيرة شرقي هنور المقدمة الذكر.
ومنه منجرور قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وضم الراء المهملة ثم واوٍ ساكنة وراءٍ مهملة وهي شرقي باسرور المقدمة الذكر. قال: وهي من أكبر بلاد المنيبار، وملكها كافر، ووراءها بثلاثة أيام جبلٌ عظيمٌ داخل في البحر، يرى للمسافرين من بعد، ويسمى رأس هيلي بفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحت وكسر اللام ثم ياءٍ مثناة تحتية في الآخر.
ومنها تنديور بالتاء المثناة الفوقية المفتوحة وسكون النون ثم دالٍ مهملة وياءٍ آخر الحروف مضمومة وواوٍ وراءٍ مهملة. وهي بليدة شرقي رأس هيلي لها بساتين كثيرةٌ.
ومنها الشاليات بفتح الشين المعجمة وألفٍ ولامٍ وياء آخر الحروف ثم ألفٍ وتاءٍ مثناة فوقية.
ومنها الشنكلي بالشين المعجمة المكسورة وسكون النون وكافٍ ولام وياء آخر الحروف. وهي بلدةٌ بالقرب من الشاليات.
ومنه الكولم قال في تقويم البلدان: بالكاف المفتوحة والواو الساكنة ثم لام مفتوحة وميم في الآخر، وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في الأطوال: حيث الطول مائةٌ وعشر درجات، والعرض ثمان عشرة درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي آخر بلاد الفلفل من الشرق، ومنها يقلع إلى عدن. قال صاحب تقويم البلدان: وحكى لي بعض المسافرين أنها على خور من البحر في مستوٍ من الأرض وأرضها مرملة، وهي كثيرة البساتين، وبها شجر البقم: وهو شجرٌ كشجر الرمان، وورقه يشبه ورق العناب، وفيها حارةٌ للمسلمين وبها جامعٌ.
القسم الثالث- من إقليم الهند بلاد المعبر.
قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ثم راء مهملة، وهي شرقي بلاد الكولم بثلاثة أيام وأربعة، قال في تقويم البلدان: وينبغي أن تكون بميلة إلى الجنوب. قال ابن سعيد: وهو مشهور على الألسن، ومنه يجلب اللانس. وبها يضرب المثل في قصاريها. قال: وفي شماليها جبالٌ متصلةٌ ببلاد بلهرا ملك ملوك الهند، وفي غربيها يصب نهر الصوليان في البحر، وذكر في مسالك الأبصار عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن بلاد المعبر تشتمل على عدة جزائر كبارٍ.
وبه عدة مدن وبلاد.
ومنها بيردأول قال في تقويم البلدان: بكسر الباء الموحدة وتشديد الياء المثناة التحتية وسكون الراء وفتح الدال المهملتين وألفٍ وواو ولام. قال: وهي قصبة بلاد المعبر، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول مائةٌ واثنتان وأربعون درجة، والعرض سبع عشرة درجة وخمسٌ وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة سلطان المعبر، وإليه تجلب الخيول من البلاد.
ثم اعلم أن وراء ما تقدمٌ بلاداً أخرى ذكرها في تقويم البلدان.
منها ماهورة قال في تقويم البلدان: بفتح الميم والألف والهاء والواو مهملة وهاء. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة درجة وأربع درج، والعرض سبعٌ وعشرون درجة.
قال ابن سعيد: وهي على جانبي نهر كنك في انحداره من قنوج إلى بحر الهند.
قال في تقويم البلدان: وهي بلد البراهمة، وهم عباد الهند ينسبون إلى البرهمن أول حكمائهم، قال ابن سعيد: وقلاعهم بها لا ترام.
ومنها لوهور قال في اللباب: بفتح اللام وسكون الواوين بينهما هاء مفتوحة في الآخر وراء مهملة قال: ويقال لها أيضاً لهاور. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال: حيث الطول مائة درجة والعرض إحدى وثلاثون درجةً. قال في اللباب: وهي نمدينة كبيرة كثيرة الخير، خرج منها جماعة من أهل العلم.
ومنها قنوج قال في تقويم البلدان: بكسر القاف وفتح النون المشددة والواو ثم جيم. وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول مائةً وإحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة. وذكر في الأطوال الطول بنقص سبع وعشرين درجةً، والعرض بزيادة ست درج. قال ابن سعيد: وهي قاعدة لهاور، وهي بين ذراعين من نهر كنك. وقال المهلبي: هي في أقاصي الهند في جهة الشرق عن الملتان على مائتين واثنتين وثمانين فرسخاً. قال: وهي مصر الهند وأعظم مدن بها.
ثم قال: وقد بالغ الناس في تعظيمها حتى قالوا: إن بها ثلثمائة سوق للجوهر، ولملكها ألفان وخمسمائة فيلٍ، وهي كثيرة معادن الذهب. قال في نزهة المشتاق: هي مدينة حسنة، كثيرة التجارات، ومن مدنها قشمير الخارجة، وقشمير الداخلة، قال: وملكها يسمى القنوج باسمها.
ومنها جبال قامرون قال في تقويم البلدان: بفتح القاف وألفٍ وميم وراءٍ مهملة ثم واو ونون. وهي حجاز بين الهند والصين، وعدها في القانون من الجزائر، قال: وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في القانون والأطوال: حيث الطول مائة وخمسٌ وعشرون درجة، والعرض عشر درج، ومدينة الملك شرقيها وبها معدن العود القامروني.
قلت: وذكر في مسالك الأبصار عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن في مملكة صاحب الهند ثلاثة وعشرين إقليماً، عد منها بعض ما تقدم ذكره: وهي إقليم دهلي، وإقليم الدواكير، وإقليم الملتان، وإقليم كهران، وإقليم سامانا، وإقليم سبوستان، وإقليم وجا، وإقليم هاسي، وإقليم سرستي، وإقليم المعبر، وإقليم تلنك، وإقليم كجرات، وإقليم بدلون، وإقليم عوض، وإقليم القنوج، وإقليم لكنوتي، وإقليم بهار، وإقليم كره، وإقليم ملاوه، وإقليم لهاور، وإقليم كلافور، وإقليم جاجنكز، وإقليم تلنج، وإقليم دور سمند.
ثم قال: وهذه الأقاليم تشتمل على ألف مدينةٍ ومائتي مدينة، كلها مدن ذوات نيابات: كبار وصغار، وبجميعها الأعمال والقرى العامرة الأهلة.
وقال إنه لا يعرف عدد قراها، الأ أن إقليم القنوج مائةٌ وعشرون لكاً، كل لك مائة ألف قرية، فتكون اثني عشر ألف قرية، وإقليم تلنك ستة وثلاثون لكاً، فيكون ثلاثة الأف ألف وستمائة ألف قرية، وإقليم ملاوه أكبر من إقليم القنوج في الجملة.
وحكي عن الشيخ مبارك الأنباتي: أن على لكنوتي مائتي ألف مركب صغار خفافا للسير، إذا رمى الرامي في إحداها سهماً وقع في وسطها لسرعة جريانها، ومن المراكب الكبار ما فيه الطواحين والأفران والأسواق، وربما لم يعرف بعض ركابه بعضاً إلا بعد مدة لاتساعه وعظمه إلى غبر ذلك مما العهدة فيه عليه.
واعلم أن ببحر الهند جزائر عظيمة معدودةً في أعماله، يكون بعضها مملكة منفردةً.
منها جزيرة سرنديب قال في تقويم البلدان: بفتح السين والراء المهملتين وسكون النون وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ثم باء موحدة.
قال: ويقال لها جزيرة سنكاديب، كأنه باللسان الهندي، وموقعها خارج عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في الأطوال: حيث الطول مائة وعشرون درجةً، والعرض عشر درج.
قال ابن سعيد: ويشق هذه الجزيرة جبلٌ عظيم على خط الأستواء، اسمه جبل الرهون، يزعمون أن عليه هبوط آدم عليه السلام. قال ابن خرداذبه: وهو جبل ذاهبٌ في السماء، يراه أهل المراكب على مسيرة عشرين يوماً وأقل وأكثر.
وذكرت البراهمة: أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام: قدم واحدةٌ مغموسة في الحجر، وأنه خطا الخطوة الأخرى إلى الهند، وهو منها على مسيرة يومين أو ثلاثة. قال: وعلى هذا الجبل شبيهٌ بالبرق أبداً، وعليه العود وسائر العطر والأفاويه، وعليه وحواليه الياقوت وألوانه كلها، وفي واديه الماس والسنباذج، وغزال المسك، وسنور الزباد، وفي أنهار هذه الجزيرة البلور، وحولها في البحر مغاصات اللؤلؤ، ونهرها هو المعظم عند الهنود، وقال ابن سعيد: ومدينتها تسمى أغنا. وهي حيث الطول مائة وأربع وعشرون درجة.
ومنها جزيرة الرانج قال في تقويم البلدان: والظاهر أنها بالراء المهملة والألف والنون ثم جيم في الآخر، وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول. قال في الأطوال وطولها مائةٌ وثلاث عشر درجةً، ولا عرض لها، وفيها عمارة وزرعٌ ونارجيل وغير ذلك. قال في كتاب الأطوال: وجبالها ترى من جبال اليمن، وبها جبالٌ تشتعل النار فيها دائماً، وترى تلك النار في البحر من مسيرة أيام، وبها حيات، تبتلع الرجل والجاموس، وفي البحر عند لهاور دور وهو مكان يدور فيه الماء، ويخشى على المراكب عنده. قال ابن خرداذبة: وفيها حيات عظام تبتلع الرجل والجاموس والفيل، وفيها شجر الكافور، تظل الشجرة منه مائة إنسان وعجائب لا تحصى.
ومنها جزيرة لامري قال في تقويم البلدان: بلامٍ وألفٍ وميمٍ وراءٍ مهملة ثم ياء آخر الحروف، وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في الأطوال: حيث الطول مائةٌ وست وعشرون درجة، والعرض تسع درج. قال في تقويم البلدان: وهي معدن البقم والخيزران.
ومنها جزيرة كلة قال في تقويم البلدان: بالكاف واللام وهاء في الآخر. وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في القانون: حيث الطول مائةٌ وثلاثون درجة، ولا عرض لها. قال في تقويم البلدان: وهي فرضة ما بين عمان والصين، قال المهلبي: وفيها مدينة عامرة يسكنها المسلمون وغيرهم وبها معدان الرصاص ومنابت الخيزران وشجر الكافور، وبينها وبين جزائر المهراج عشرون مجرى.
ومنها جزيرة المهراج، قال في تقويم البلدان: الظاهر أنها بالميم والهاء والراء المهملة ثم ألف وجيم في الآخر. قال في كتاب الأطوال: وهي جزييرة سريرة، وموقعها في الجنوب من خط الأستواء قال في الأطوال: حيث الطول مائة وأربعون درجة، والعرض في الجنوب درجةٌ واحدة. قال ابن سعيد: وهي عدة جزائر، وصاحبها من أغنى ملوك الهند وأكثرهم ذهباً وفيلةً. وجزيرته الكبيرة هي التي فيها مقر ملكه، وعدها المهلبي في جزائر الصين، وقال: إنها عامرة آهلة، وإنه إذا أقلع المركب منها طالباً للصين واجهه في البحر جبالٌ ممتدةٌ، داخلة في البحر مسيرة عشرة أيام، فإذا قرب المسافرون منها وجدوا فيها أبو أبا وفرجاً في أثناء ذلك الجبل، يفضي كل بابٍ منها إلى بلد من بلدان الصين. وعد ابن سعيد سريرة من جزائر الرانج، وقال: إن طولها من الشمال إلى الجنوب أربعمائة ميل، وعرضها في كل طرف من الجنوبي والشمالي نحو مائة وستين ميلاً؛ وسريرة مدينة في وسطها، ثم يدخل منها جون إلى البحر وهي على نهر.
ومنها جزيرة أندرابي قال في تقويم البلدان: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة وفي الآخر ياء مثناة من تحتها.
ومنه جزيرة الجاوة. قال في تقويم البلدان: وهي جزيرةٌ كبيرة مشهورة بكثرة العقاقير، قال: وطرف هذه الجزيرة الغربي حيث الطول مائةٌ وخمسٌ وأربعون درجة والعرض خمس درج. قال: وفي جنوبي الجاوة مدينة فنصور، التي ينسب إليها الكافور الفنصوري، وهي حيث الطول مائة وخمسٌ وأربعون درجة، والعرض درجةٌ واحدة ونصف.
ومنها جزيرة الصنف. التي ينسب إليها العود الصنفي. وهي من أشهر الجزائر الموجودة في الكتب، وطولها من الغرب إلى الشرق نحو مائتي ميل، وعرضها أقل من ذلك، ومدينتها حيث الطول اثنتان وستون درجة.
ومنها جزيرة قمار التي ينسب إليها العود القماري وهو دون الصنفي ومدينتها قمار حيث الطول ستٌ وستون درجة، والعرض درجتان، وشرقيها جزائر الصين.
ومنها جزيرة الرامي، قال ابن خرداذبه: وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها، وبها البقم، وفيها ناس عراة في غياض لا يفهم ما يقولون، كلامهم صفير، يستوحشون من الناس، طول كل إنسان منهم أربعة أشبار، للرجل منهم ذكر صغير، وللمرأة فرج صغير، وشعر رؤوسهم زغبٌ أحمر، يتسلقون على الأشجار بأيديهم. وفي البحر هناك ناسٌ بيض، يلحقون المراكب سباحةً والمراكب في شدة جريها، يبيعون العنبر بالحديد يحملونه في أفواههم، وجزيرة فيها ناس سود يأكلون الناس أحياءً، وجبلٌ طينه فضة تظهر بالنار.
الجملة الثانية في حيوانها:
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك الأنباتي: أن بها الخيل على نوعين: عرابٍ وبراذين وأكثرها ما لا يحمد فعله، قال: ولذلك تجلب الخيل إلى الهند من جميع ما جاوره من بلاد الترك، وتقاد له العراب من البحرين وبلاد اليمن والعراق، وإن كان في داخل الهند خيلٌ عراب يتغالى في أثمانها ولكنها قليلة.
قال: ومتى مكث الخيل بالهند انحلت. وعندهم البغال والحمير، ولكنها مذمومة الركوب عندهم، حتى لا يستحسن فقيهٌ ولا ذو علم ركوب بغلة.
أما الحمار فإن ركوبه عندهم مذلة وعارٌ عظيم، وخاصتهم تحمل أثقالهم على الخيل، وعامتهم تحمل على البقر من فوق الأنف، وهي عندهم كثيرة، وبها الجمال قليلة لا تكون إلا للسلطان وأتباعه: من الخانات، والأمراء والوزراء، وأكابر الدولة، وبها من المواشي السائمة ما لا يحصى: من الجواميس والأبقار والأغنام والمعز، وبها من دواجن الطير والدجاج والحمام والأوز وهو أقل أنواعه، وإن الدجاج عندهم في قدر خلق الأوز.
وبها من الوحوش الفيل، والكركدن، وقد تقدم ذكرهما في الكلام عن الوحوش فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من الحيوان في المقالة الأولى، وفي غير ذلك من الوحوش التي لا تعد.
الجملة الثالثة في حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك:
أما الحبوب فقد ذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الأرز على أحدٍ وعشرين نوعاً، وبها من سائر الحبوب الحنطة، والشعير، والحمص، والعدس، والماش، واللوبياء، والسمسم، أما الفول فلا يوجد عندهم.
قال في مسالك الأبصار: ولعل عدمه من حيث إنهم قومٌ حكماءٌ، والفول عندهم مما يفسد جوهر العقل، ولذلك حرمت الصابئة أكله.
وأما الفواكه ففيه التين والعنب، على قلة، والرمان الكثير: من الحلو والمز، والحامض إلى غير ذلك من الفواكه: كالموز، والخوخ، والتوت المسمى بالفرصاد وبها فواكه أخرى لا يعهد مثلها بمصر والشام كالعنباء، وغيرها، والسفرجل على قلة، والكمثرى، والتفاح، وهما أقل من القليل، ولكنهما والسفرجل تجلب إليه.
وبها من الفواكه المستحسنة الرانج، وهو المسمى عندهم بالنارجيل والعامة تسميه جوز الهند، وبه البطيخ الأخضر والأصفر، والخيار والثقاء، والعجور، وبه من المحمضات الأترج، والليمون والليم، والنارنج أما الحمر وهو التمر الهندي فكثير بباديتها.
وأما الخضروات فقصب السكر ببلادها كثيرٌ لغاية، ومنه نوعٌ أسود صلب المعجم، وهو أجوده للامتصاص لا الأعتصار ولا يوجد في غيرها، ويعمل من بقية أنواعه السكر الكثير: من النبات وغيره، ولكنه لا يجمد بل يكون كالسميذ الأبيض.
وعندهم من الخضروات اللفت والجزر، والقرع، والباذنجان، والهليون، والزنجبيل، والسلق، والبصل، والفوم وهو الثوم، والشمار والصعتر.
وأما الرياحين فيها الورد، واللينوفر، والبنفسج، والبان والخلاف، والعبهر والنرجس، والفاغية وهي التامر حناء.
وأما غير ذلك فعندهم العسل أكثر من الكثير، والشيرج ومنه وقودهم والزيت يأيتهم مجلوباً.
وأما الشمع فلا يوجد إلا في دور السلطان، ولا يسمح فيه لأحد، والحلوى على خمسة وستين نوعاً، والفقاع والأشربة، والأطعمة على ما لا يكاد يوجد في غير ما هنالك.
وبه من أرباب الصنائع صناع السيوف، والقسي والرماح والزرد، وسائر أنواع السلاح، والصواغ، والزراكشة، وغيرهم من سائر أرباب الصنائع.
وللسلطان بدلي دار طراز، فيها أربعة الأف قزاز، تعمل الأقمشة المنوعة للخلع والكساوى والأطلاقات، مع ما يحمل إليه من قماش الصين والعراق والأسكندرية.
الجملة الرابعة في المعاملات:
أما نقودهم، فقد ذكر الشيخ مبارك الأنباتي: أن لهم أربع دراهم يتعاملون بها.
أحدها- الهشتكاني، وهو وزن الدرهم النقرة بمعاملة مصر، وجوازه جوازه، لا يكاد يتفاوت ما بينهما، والدرهم الهشتكاني المذكور عنه ثمان جتيلات كل جتيل أربعة أفلس، فيكون عنه اثنين وثلاثين فلساً.
الثاني- الدرهم السلطاني. ويسمى وكاني، وهو ربع درهم من الدراهم المصرية وكل درهم من السلطانية عنه جتيلان، ولهذا الدرهم السلطاني نصفٌ يسمى جيتلٌ واحد.
الثالث- الششتكاني. وهو نصف وربع درهمٍ هشتكاني، ويكون تقديره بالدراهم السلطانية ثلاثة دراهم.
الرابع- الدرهم الدرازدهكاني، وجوازه بنصف وربع درهمٍ هشتكاني أيضاً، فيكون بمقدار الششتكاني، ثم كل ثمانية دراهمٍ هشتكانية تسمى تنكه.
أما الذهب عندهم فبالمثقال، وكل ثلاثة مثاقيل تسمى تنكة، ويعبر عن تنكة الذهب بالتنكة الحمراء، وعن تنكة الفضة بالتنكة البيضاء، وكل مائة ألف تنكة من الذهب أو الفضة تسمى لكاً، إلا أنه يعبر عن لك بالذهب باللك الأحمر، وعن لك الفضة باللك الأبيض.
وأما رطلهم فيسمى عندهم ستر، وزنته سبعون مثقالأ، فتكون زنته بالدراهم المصرية مائة درهم ودرهمين وثلثي درهم، وكل أربعين ستراً من واحد وجميع مبيعاتهم بالوزن أما الكيل فلا يعرف عندهم.
الجملة الخامسة في الأسعار:
قد ذكر في مسالك الأبصار أسعار الهند في زمانه نقلاً عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي وغيره فقال: إن الجارية الخدامة لا تتعدى قيمتها بمدينة دهلي ثمان تنكات، واللواتي يصلحن للخدمة والفراش خمس عشرة تنكة.
وفي غير دهلي أرخص من ذلك حتى قال القاضي سراج الدين: إنه اشترى عبداً مراهقاً نقاعاً بأربعة دراهم.
ثم قال: ومع هذا الرخص إن من الجواري الهنديات من تبلغ قيمتها عشرين ألف تنكة وأكثر لحسنهن ولطفهن.
ونقل عن الشيخ مبارك الأنباتي وكان فيما قيل قبل الثلاثين والسبعمائة فقال: إن أوساط الأسعار حينئذٍ أن تكون الحنطة كل من بدرهم ونصف هشتكاني، والشعير كل من بدرهم واحدٍ هشتكاني، والأرز كل من بدرهم ونصف وربع هشتكاني، إلا أنواعاً معروفة من الأرز فإنها أغلى من ذلك، والحمص كل منين بدرهم هشتكاني، ولحم البقر والمعز كل أبعة أستارٍ بدرهم سلطاني، والأوز كل طائرٍ بدرهمين هشتكانية، والدجاج كل أربعة أطيارٍ بدرهم هشتكاني، والسكر كل خمسة أستارٍ بدرهم هشتكاني، والرأس الغنم الجيدة السمينة بتنكة وهي ثمانية دراهمٍ هشتكانية والبقرة الجيدة بتنكتين وهما ستة عشر درهماً هشتكانية وربما كانت بأقل، والجاموس كذلك.
أما الحمام والعصفور وأنواع الطير فبأقل ثمن، وأنواع الصيد من الوحش والطير كثيرةٌ، وأكثر مأكلهم لحم البقر والمعز مع كثرة الضأن عندهم إلا أنهم اعتادوا أكل ذلك.
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الخجندي أنه قال: أكلت أنا وثلاثة نفر رفاق في بعض بلاد دلي لحماً وخبزاً بقرياً وخبزاً وسمناً حتى شبعنا بجتيل: وهو أربعة أفلس كما تقدم.
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند:
الطريق إلى مملكتي السند والهند:
اعلم أن لهذه المملكة عدة طرقٍ: الطريق الأول: طريق البحر، قد تقدم في الكلام على الطريق الموصلة إلى اليمن ذكر الطريق من سواحل مصر: من السويس، والطور، والقصير، وعيذاب إلى عدن من اليمن في هذا البحر، ومن عدن إلى أن يركب في بحر الهند المتصل ببحر القلزم، إلى سواحل السند والهند، ويخرج إلى أي البلاد أراد من الفرض الموصلة اليها.
الطريق الثاني- طريق بحر فارس، قد تقدم في الكلام على مملكة إيران ذكر الطريق الموصلة من حلب بغداد، ثم من بغداد إلى البصرة.
قال ابن خرداذبه: ثم من البصرة إلى عبادان اثنا عشر فرسخاً، ثم إلى الخشبات فرسخان، ومنها يركب في بحر فارس: فمن أراد طريق البر إلى السند والهند، جاز هذا البحر إلى هرمز: مدينة كرمان، ومنها يتوصل إلى السند ثم إلى الهند ثم الصين.
ومن أراد الطريق في البحر، فقد ذكر ابن خرداذبه: أن من أبلة البصرة في نهر الأبلة إلى جزيرة خارك في نخيل فارس سبعين فرسخاً، ومنها إلى جزيرة لابن ثمانين فرسخاً، ثم إلى جزيرة أبرون سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة خين سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة كيش سبعة فراسخ، ثم إلى جزيرة أبركاوان ثمانية عشر فرسخاً، ثم إلى جزيرة أرموز سبعة فراسخ، ثم إلى بار سبعة أيام، وهي الحد بين فارس والسند، ثم إلى الديبل ثمانية أيام، ثم إلى مصب مهران في البحر فرسخان، ثم من مهران إلى بكين أول أرض الهند أربعة أيام، ثم إلى المند فرسخان، ثم إلى كول فرسخان، ثم إلى سندان ثمانية عشر فرسخاً، ثم إلى ملي خمسة أيام، ثم إلى بلين يومان.
ثم يفترق الطريق في البحر: فمن أخذ على الساحل- فمن بلين إلى باس يومان، ثم إلى السنجلي وكبشكان يومان، ثم إلى كودا مصب نهر فريد ثلاثة فراسخ، ثم إلى كيلكان يومان، ثم منها إلى سمندر، ومن سمندر إلى أورسير اثنا عشر فرسخاً، ثم إلى أبينه أربعة أيام، ثم إلى سرنديب يومان.
ومن أراد جهة الصين عدل من بلين وجعل سرنديب عن يساره.
فمن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس عشرة أيام إلى خمسة عشر يوماً، ثم إلى جزيرة كله ستة أيام.
وعن يسارها جزيرة بالوس على يومين، ثم على خمسة عشر يوماً بلاد تنبت العطر.
الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند:
أما قبل الإسلام فملكها جماعةٌ منهم ملوك الكفر، أسماؤهم أعجمية لا حاجة إلى ذكرهم، فأضربنا عنهم.
وأما في الإسلام فأول من أخذ في فتح ما فتح من الهند بنو سبكتكين: ملوك غزنة، المتقدم ذكرهم في مملكة خوارزم والقبجاق وما مع ذلك.
ففتح يمين الدولة محمود بن سبكتكين منه مدينة بهاطية، وهي مدينة حصينة عالية السور وراء الملتان، في سنة ست وتسعين وثلثمائة وسار إلى بيدا ملك الهند، فهرب منه إلى مدينته المعروفة بكاليجار، فحاصره فيها حتى صالحه على مال، فأخذ المال وألبسه خلعته، واستعفى من شد وسطه بالمنطقة فلم يعفه من ذلك فشدها على كره: ثم فتح إبراهيم بن مسعود منهم حصوناً منه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
ثم كانت دولة الغورية بغزنة أيضاً.
ففتح شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام بن الحسين الغوري منه مدينة لهاور في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، أتبعها بفتح الكثير من بلادهم، وبلغ من الكناية في ملوكهم ما لم يبلغه أحدٌ من ملوك الإسلام قبله، وتمكن من بلاد الهند، وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي التي هي قاعدة الهند، وبعث أيبك المذكور عساكره، فملكت من الهند أماكن ما دخلها مسلمٌ قبله حتى قاربت جهة الصين.
ثم فتح شهاب الدين محمد المذكور أيضاً بعد ذلك نهرواله في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وتوالت ملوك المسلمين وفتوحاتهم في الهند إلى أن كان محمد بن طغلقشاه في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، فقوي سلطانه بالهند، وكثرت عساكره، وأخذ في الفتوح حتى فتح معظم الهند.
قال في مسالك الأبصار قال الشيخ مبارك الأنباتي: وأول ما فتح منه مملكة تلنك؛ وهي واسعة البلاد، كثيرة القرى، عدة قراها تسعمائة ألف قرية وتسعمائة قرية.
ثم فتح بلاد جاجنكز، وبها سبعون مدينة جليلة كلها على البحر، دخلها من الجوهر والقماش المنوع، والطيب، والأفاويه؛ ثم فتح بلاد لكنوتي، وهي كرسي تسعة ملوك.
ثم فتح بلاد دكير، ولها أربعٌ وثمانون قلعة جليلات المقدار.
ونقل عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال البزي: أن بها ألف ألف قرية ومائتي ألف قرية.
ثم فتح بلاد دور سمند، وكان بها السلطان بلاك الدبو وخمسة ملوك كفار. ثم فتح بلاد المعبر: وهو إقليم جليلٌ له تسعون مدينة بنادر على البحر، يجبى من دخلها الطيب، والأنس، والقماش المنوع، ولطائف الأفاق.
وذكر أنه حصل له من الأموال بسبب الفتوح التي فتحها ما لا يكاد السامع يصدقه. فحكى عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال المقدم ذكره: أنه حاصر ملكاً على حد بلاد الدواكير، فسأله أن يكف عنه على أن يرسل إليه من الدواب ما يختار ليحمله له مالأ، فسأله عن قدر ما عنده من المال فأجابه فقال: إنه كان قبلي سبعة ملوك: جمع كل واحد منهم سبعين ألف صهريج متسعةً من المال، فأجابه إلى ذلك، وختم على تلك الصهاريج باسمه وتركها بحالها، وأقر الملك باسم ذلك الملك، وأمر بإقامته عنده، وجعل له نائباً بتلك المملكة.
وحكى عن علي بن منصور العقيلي من عرب البحرين أنه تواتر عندهم من الأخبار أن هذا السلطان فتح مدينة بها بحيرة ماء، وفي وسطها بيت بر معظم عندهم يقصدونه بالنذر، وكلما أتي له بنذر رمي في تلك البحيرة، فصرف الماء عنها وأخذ ما كان بها من الذهب، فكان وسق مائتي فيل والأفٍ من البقر، إلى غير ذلك مما يكاد العقل أن ينكره ولذلك حصل عنده من الأموال مالأ يأخذه الحصر، واتسعت أموال عسكره حتى جاوزت الوصف، حتى حكى الشيخ تاج الدين بن أبي المجاهد السمرقندي: أنه غضب على بعض خاناته لشربه الخمر فأمسكه وأخذ ماله، فكان جملة ما وجد له من الذهب ألف مثقال وسبعةً وثلاثين ألف مثقال، ومقدار ذلك ثلاثة وأربعون قنطار وسبعون قنطاراً، ومع ذلك يعطي العطاء الجزيل ويصل بالأموال الجمة.
فقد حكى ابن الحكيم الطياري: أن شخصاً قد له كتباً، فحثى له حثيةً من جوهرٍ كان بين يديه، قيمتها عشرون ألف مثقالٍ من الذهب.
وحكى الشريف السمرقندي: أن شخصاً قدم له اثنتين وعشرين حبةً من البطيخ الأصفر، حملها إليه من بخارى، فأمر له بثلاثة الأف مثقالً من الذهب.
وحكى الشيخ أبو بكر بن أبي الحسن الملتاني أنه استفاض عنه أنه التزم أنه لا ينطق في إطلاقاته بأقل من ثلاثة الأف مثقال، إلى غير ذلك من العطاء الذي يخرق العقول.
وحكى عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أنه مع كثرة البذل وسعة العطاء في هباته وما ينفقه في جيوشه وعساكره لا ينفق نصف دخل بلاده.
قلت: ثم بعد محمد شاه ولي هذه المملكة من أقاربه سلطان اسمه فيروزشاه وبقي في الملك نحو أربعين سنة.
ثم تنقلت المملكة في بيوتهم إلى أن كان من تمرلنك ما كان من فتح دلي ونهبها.
ثم آل الأمر بعده إلى سلطان من بيت الملك، اسمه محمود خان وهو القائم بها إلى الآن. وقد صارت الدواكير منها لسلطان بمفرده، واسمه اليوم السلطان، غياث الدين.
الجملة الثامنة في عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها:
على ما ذكره في مسالك الأبصار عن دولة السلطان محمد بن طغلقشاه المقدم ذكره، نقلاً عن الشيخ مبارك الأنباتي وغيره.
أما عساكره، فقد ذكر أنها تشتمل على تسعمائة ألف فارس: منهم من هو بحضرته، ومنهم من هو في سائر البلاد، يجري عليهم كلهم ديوانه، وأن عسكره مجتمع من الترك والخطا والفرس والهنود وغيرهم من الأجناس.
وكلهم بالخيل المسمومة، والسلاح الفائق، والتجمل الظاهر، وأن أعلى عسكره الخانات، ثم الملوك، ثم الأمراء، ثم الأصفهسلارية، ثم الجند.
وذكر أن في خدمته ثمانين خاناً أو أكثر، وأن لكل واحدٍ منهم من الأتباع ما يناسبه: للخان عشرة الأف فارس، وللملك ألف فارس، وللأمير مائة فارس، وللاصفهسلارية دون ذلك.
وأن الأصفهسلارية لا يؤهل أحدٌ منهم للقرب من السلطان، وإنما يكون منهم الولاة ومن يجري مجراهم، وأن له عشرة الأف مملوكٍ أتراك، وعشرة الأف خادم خصي، وألف خزندار، وألف بشمقدار، وله مائتا ألف عبدٍ ركابية، تلبس السلاح وتمشي في ركابه، وتقاتل رجالةً بين يديه، وأن جميع الجند تختص بالسلطان، ويجري عليهم ديوانه حتى من في خدمة الخانات والملوك والأمراء، لا يجري عليهم إقطاعً من جهة من هم في خدمته كما في مصر والشام.
وأما أرباب الوظائف من أرباب السيوف، فله نائبٌ كبير، يسمى بلغتهم امريت وأربعة نوابٍ دونه، يسمى كل واحدٍ منهم شق، وله الحجاب ومن يجري مجراهم من سائر أرباب الوظائف.
وأما من أرباب الأقلام. فله وزيرٌ عظيم، وله أربعة كتاب سر، يسمى كل واحدٍ منهم بلغتهم دبيران، ولكل منهم تقدير ثلثمائة كاتب.
وأما القضاة فله قاضي قضاةٍ عظيم الشأن، وله محتسب وشيخ شيوخ، وله ألف طبيب ومائتا طبيب.
وأما غير هؤلاء فله ألف بازدار، تحمل الطيور الجوارح للصيد راكبةً الخيل، وثلاثة الأف سواق لتحصيل الصيد، وخمسملئة نديم، والفان ومائتان من الملاهي غير مماليكه الملاهي، وهي ألف مملوك برسم تعليم الغناء خاصةً، وألف شاعر بالعربية، والفارسية، والهندية، من ذوي الذوق اللطيف، يجري على جميع أولئك ديوانه مع طهارة الذيل والعفة في الظاهر والباطن.
الجملة التاسعة في زي أهل هذه المملكة:
أما أرباب السيوف فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي: أن لبس السلطان والخانات والملوك، وسائر أرباب السيوف نتريات، وتكلاوات، وأقبية إسلامية، مخصرة الأوساط خوارزمية، وعمائم صغار لا تتعدى العمامة منها خمسة أذرعٍ أو ستةً، وأن لبسهم من البياض والجوخ.
وحكي عن الشريف نصر الدين محمد الحسيني الأدمي أن غالب لبسهم نتريةٌ مزركشةٌ بالذهب، ومنهم من يلبس مطرز الكمين بزركشٍ، ومنهم من يعمل الطراز بين كتفيه مثل المغل، وأقباعهم مربعة الأنبساط، مرصعة بالجواهر، وغالب ترصيعهم بالياقوت والماس، ويضفرون شعورهم ذوائب كما كان يفعل بمصر والشام في أول الدولة التركية، إلا أنهم يجعلون في الذوائب شراريب من حرير، ويشدون في أوساطهم المناطق من الذهب والفضة، ويلبسون الأخفاف والمهاميز، ولا يشدون السيوف في أوساطهم إلا في السفر خاصة.
وأما الوزراء والكتاب، فزيهم مثل زي الجند، إلا أنهم لا يشدون المناطق: وربما أرخى بعضهم العذبة الصغيرة من قدامه كما تفعل الصوفية.
وأما القضاة والعلماء، فلبسهم فرجيات شبيهاتٌ بالحندات ودراريع.
وحكي عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه لا يلبس عندهم ثياب الكتان المجلوبة من الروس والأسكندرية إلا من ألبسه له السلطان، وإنما لباسهم من القطن الرفيع الذي يفوق البغدادي حسناً، وأنه لا يركب بالسروج الملبسة والمحلاة بالذهب إلا من أنعم عليه بها السلطان.
الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة:
أما الجند، فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي أنه لا يكون للخانات والملوك والأمراء والأصفهسلارية بلادٌ مقررةٌ عليهم من الديوان إقطاعاً لهم.
وذكر أن إقطاع النائب الكبير المسمى بأمريت يكون إقليماً عظيماً كالعراق.
ولكل خان لكان، كل لك مائة ألف تنكة، كل تنكة ثمانية دراهم؛ ولكل ملك من ستين ألف تنكة إلى خمسين ألف تنكة؛ ولكل أمير من أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة، وللاصفهسلارية من عشرين ألف تنكةٍ إلى ما حولها، ولكل جندي من عشرة الأف تنكة إلى ألف تنكة، ولكل مملوكٍ من المماليك السلطانية من خمسة الأف تنكة إلى ألف تنكة، مع الطعام والكسوة وعليق الخيل لجميعهم على السلطان، ولكل عبدٍ من العبيد السلطانية في كل شهر عشر تنكات بيضاء، ومنان من الحنطة والأرز، وفي كل يوم ثلاثة أستارٍ من اللحم، وفي كل سنة أربع كساوٍ.
وأما أرباب الأقلام، فإن الوزير يكون له اقليم عظيم نحو العراق إقطاعاً له، ولكل واحد من كتاب السر الأربعة مدينة من المدن النبادر العظيمة الدخل، ولأكابر كتابهم قرى وضياعٌ.
ومنهم من يكون له خمسون قريةً. ولكل من الكتاب الصغار عشرة الأف تنكة. ولقاضي القضاة المعبر عنه بصدر جهان عشر قرىً، يكون متحصلها نحو ستين ألف تنكة، ولشيخ الشيوخ مثله، وللمحتسب قريةٌ يكون متحصلها نحو ثمانية الأف تنكة.
وأما غير هؤلاء من سائر أرباب الوظائف، فذكر أنه يكون لبعض الندماء قريتان ولبعضهم قريةٌ، ولكل واحدٍ منهم من أربعين تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة إلى عشرين ألف تنكة على مقادير مراتبهم، مع الكساوى والخلع والأفتقادات، وليقس على ذلك.
الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة:
وتختلف الحال في ذلك باختلاف أحوال السلطان أما الخدمة، فخدمتان: إحداهما الخدمة اليومية، فإنه في كل يوم يمد الخوان في قصر السلطان: ويأكل منه عشرون ألف نفر من الخانات، والملوك، والأمراء، والأصفهسلارية، وأعيان الجند، ويمد للسلطان خوانٌ خاص، ويحضره معه من الفقهاء مائتا فقيه في الغداء والعشاء ليأكلوا معه ويبحثوا بين يديه.
وحكي عن الشيخ أبي بكر بن الخلال: أنه سأل طباخ هذا السلطان عن ذبيحته في كل يوم- فقال: ألفان وخمسمائة رأس من البقر، وألفا رأس من الغنم، غير الخيل المسمنة وأنواع الطير.
والثانية- الجمعية، فحكي عن الشيخ محمد الخجنددي أن لهذا السلطان يوم الثلاثاء جلوساً عاماً في ساحة عظيمة متسعةٍ إلى غايةٍ، يضرب له فيها حير كبيرٌ سلطاني، يجلس في صدره على تخت عالٍ مصفح بالذهب، وتقف أرباب الدولة حوله يميناً وشمالأ، وخلفه السلاح دارية وأرباب الوظائف قيامٌ بين يديه على منازلهم، ولا يجلس إلا الخانات وصدر جهان وهو قاضي القضاة والدبيران وهو كاتب السر الذي يكون له النوبة ويقف الحجاب أمامه، وينادى مناداة عامة: إن من كان له شكوى أو حاجة فليحضر، فيحضر من له شكوى أو حاجةً، فيقف بين يديه فلا يمنع حتى ينهى حاله، ويأمر السلطان فيه أمره.
ومن عادته أن لا يدخل عليه أحدٌ ومعه سلاح البتة حتى ولا سكين صغيرةٌ ويكون جلوسه داخل سبعة أبواب، ينزل الداخلون عليه على الباب الأول، وربما أذن لبعضهم بالركوب إلى الباب السادس.
وعلى الباب الأول منها رجلٌ معه بوق، فإذا جاء أحدٌ من الخانات أو الملوك أو أكابر الأمراء، نفخ في البوق إعلاماً للسلطان أنه قد جاءه رجل كبير: ليكون دائماً على يقظة من أمره.
ولا يزال ينفخ في البوق حتى يقارب الداخل الباب السابع، فيجلس كل من دخل عند ذلك الباب حتى يجتمع الكل، فإذا تكاملوا أذن لهم في الدخول، فإذا دخلوا جلس من له أهلية الجلوس ووقف الباقون، وجلس القضاة والوزير وكاتب السر في مكان لا يقع فيه نظر السلطان عليهم، ومد الخوان.
ثم يقدم الحجاب قصص أرباب المظالم وغيرهم، وكل قوم حاجبٌ يأخذ قصصهم، ثم يرفعون جميع القصص إلى حاجب مقدمٍ على الكل، فيعرضها على السلطان، ويسمع ما يأمر فيها. فإذا قام السلطان جلس ذلك الحاجب إلىكاتب السر فأدى إليه الرسائل في ذلك فينفذها.
ثم يقوم السلطان من مجلسه ذلك ويدخل إلى مجلس خاص، ويدخل عليه العلماء فيجالسهم ويحادثهم ويأكل معهم، ثم ينصرفون، ويدخل السلطان إلى دوره.
أما حاله في الركوب، فإنه كان في قصوره يركب وعلى رأسه الجتر والسلاح دارية وراءه محمولاً بأيديهم السلاح.
وحوله قريب اثني عشر ألف مملوكٍ، جميعهم ليس فيهم راكبٌ إلا حامل الجتر والسلاح دارية والجمدارية حملة القماش إذا كان في غير قصوره.
وعلى رأسه أعلام سودٌ في أوساطها تنينٌ عظيم من الذهب، ولا يحمل أحدٌ أعلاماً سوداً إلا له خاصة.
وفي ميسرته أعلامٌ حمرٌ، فيها تنينان ذهب أيضاً. وطبوله الذي يدق بها في الأقامة والسفر على مثل الإسكندر.
وهو مائتا حمل نقارات، وأربعون حملاً من الكوسات الكبار، وعشرون بوقاً، وعشرة صنوج.
قال الشيخ مبارك الأنباتي: ويحمل على رأسه الجتر إن كان في غير الحرب، فإن كان في الحرب حمل على رأسه سبعة جتورة، منها اثنان مرصعان لا يقومان لنفاستهما.
قال: ولدسته من الفخامة والعظمة والقوانين الشاهنشاهية ما لا يكون مثله إلا الإسكندر ذي القرنين أو لملك شاه بن ألب أرسلان.
ثم إن كان في الصيد فإنه يخرج في خف من اللباس في نحو مائة ألف فارس، ومائتي قيل، ويحمل معه أربعة قصور على ثمانمائة جمل، كل قصر على مائتي جملٍ ملبسةٍ جميعها بستور الحرير المذهبة، وكل قصر طبقتان غير الخيم والخركاوات.
فإن كان ينتقل من مكان إلى مكان للتنزه وما في معناه، فيكون معه نحو ثلاثين ألف فارس، وألف جنيب مسرجة ملجمة، ما بين ملبس بالذهب ومطوق وفيها المرصع بالجواهر واليواقيت.
وإن كان في الحرب، فإنه يركب وعلى رأسه سبعة جتورة، وترتيبه في الحرب على ما ذكره قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن يقف السلطان في القلب وحوله الأئمة والعلماء، والرماة قدامه وخلفه، وتمتد الميمنة والميسرة موصولةً بالجناحين، وأمامه الفيلة الملبسة البركصطوانات الحديد وعليها الأبراج المسترة فيها المقاتلة، وفي تلك الأبراج منافذ لرمي النشاب وقوارير النفط، وأمام الفيلة العبيد المشاة في خفٍّ من اللباس بالستور والسلاح، فيسحبون حبال الفيلة والخيل في الميمنة والميسرة، تضم أطراف الجيش من حول الفيلة ومن ورائها حتى لا يجد هاربٌ له مفراً.
أما غير السلطان من عساكره، فقد جرت عادتهم أن الخانات والملوك والأمراء لا يركب أحدٌ منهم في السفر والحضر إلا بالأعلام، وأكثر ما يحمل الخان معه سبعة أعلامٍ، وأقل ما يحمل الأمير ثلاثةٌ، وأكثر ما يجر الخان في الحضر عشر جنائب، وأكثر ما يجر الأمير في الحضر جنيبان، وفي السفر يتعاطى كل أحد منهم قدر طاقته.
وأما اتصال الأخبار بالسلطان، فذكر قاضي القضاة سراج الدين الهندي: أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال: فأحوال الرعية له ناس يخالطون الرعية، ويطلعون على أخبارهم، فمن اطلع منهم على شيءٍ أنهاه إلى من فوقه، وينهيه الآخر إلى من فوقه حتى يتصل بالسلطان. وأحوال البلاد النائية لاتصال الأخبار منها من السرعة ما ليس في غيرها من الممالك، وذلك أن بين أمهات الأقاليم وبين قصر السلطان أماكن متقاربةً، مشبهة بمراكز البريد بمصر والشام إلا أن هذه الأماكن قريبة المدى بعضها من بعض، بين كل مكانين نحو أربع غلوات سهم أو دونها، في كل مكان عشرة سعاةٍ ممن له خفةٌ وقوة، ويحمل الكتب بينه وبين من يليه، ويعدو بأشد ما يمكنه إلى أن يوصله إلى الآخر ليعدو به كذلك إلى مقصده، فيصل الكتاب من المكان البعيد في أقرب وقتٍ. وفي كل مكانٍ من هذه الأمكنة مسجدٌ وسوقٌ وبركة ماء. وبين دلّي وقبة الإسلام اللتين هما قاعدتا المملكة طبولٌ مرتبة في أمكنة خاصة، حيثما كان في مدينة وفتح باب الأخرى أو أغلق يدق الطبل، فإذا سمعه ما يجاوره دق، فيعلم خبر فتح المدينة وفتح باب الأخرى وغلقه.